Site icon IMLebanon

حين تتحوّل “مناجم الذهب” إلى “قنابل موقوتة”

 

 

تتسلّح القوى السياسية جميعها بالنوايا الطيبة. تغدق الوعود التسهيلية على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ناثرة الورود على طريق تأليف حكومة “المهمة المستحيلة”. من يسمعهم لا يُخيّل له أنهم هم أنفسهم من أوصلوا الوضع المالي والاقتصادي إلى الدرك الذي هو فيه. يظّن للوهلة الأولى أنّهم تقمّصوا ملائكة أو زاهدين بمواقع النفوذ والسلطة و”بمصانع” الخدمات والتلزيمات وغيرها من أدوات “النصب الرسمية” على الناس.

 

لا شكّ أنّ لتلك القوى، على خلاف تناقضاتها، مصلحة حيوية واستراتيجية في نجاح حكومة الرئيس سعد الحريري الرابعة، ليس حبّاً به وإنما حفاظاً على ما تبقى من الكيان الاقتصادي والمالي الآخذ في التآكل، وعلى الاستقرار الأمني والاجتماعي المهدد برمته بانفجار لن يوفّر أي فريق.

 

ولكن في الموازاة، فإنّ لزهد القوى السياسية وتعففها المفاجئ واستعدادها للتخلي عن مكتسبات عمرها لعقود من الزمن، مبرراته وأسبابه الكثيرة التي تدفع بطهاة الحكومة إلى الترفّع عن جشعهم العتيق في اقتناص الحقائب والمقاعد، لا سيما تلك الدسمة التي تأتيهم بسمن الخدمات وعسلها.

 

في الواقع، لقد جفّت “بقرة الدولة الحلوب” ولم يعد الجلوس على المكاتب الوزارية ترفاً أو امتيازاً، لا بل يحمل كلفة باهظة قد يصعب تسديدها، خصوصاً اذا ما اضطر أصحاب الأمر والنهي إلى اقفال أبوابهم أمام طالبي الخدمات. فوزارة الصحة على سبيل المثال لا الحصر، باتت محاصرة بإجراءات مكافحة كوفيد-19 وبالكاد تكفي موازنتها لسدّ حاجات اللبنانيين الأساسية، في ظل فقدان الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية.

 

ولهذا مثلاً لا يبدي “حزب الله” أي إشارة الى تمسكه بالوزارة لا بل يؤكد استعداده لاخضاعها للمداورة اذا ما اتفقت كل الأطراف على ذلك. كذلك الأمر، لا يبدو أنّ الحزب “التقدمي الاشتراكي” سيخوض معركة قاسية لتحصيل هذه الحقيبة طالما أنّ جائحة الافلاس تضربها وقد تحوّلها الى معمودية نار.

 

كذلك الأمر بالنسبة لوزارة الداخلية. للمرة الأولى يبدو “تيار المستقبل” منفتحاً على سيناريو التخلي عن أم الوزارات. الأرجح أنّ تطيير احتمال الانتخابات المبكرة يساعده على اخضاع حقيبة الداخلية للمداورة أسوة بغيرها من الحقائب… فيما “كنز” عائدات البلديات بات أشبه بـ”قجة مقدوحة”.

 

فالحكومة باتت عبارة عن حقل قنابل موقوتة قد تنفجر احداها في أي لحظة: وزارة البيئة تواجه أزمة نفايات متوارثة منذ عقود. وزارة الأشغال لن تجد متعهداً واحداً يرضى بحمل “شوالات الليرة” كمستحقاته. وزارة الاتصالات فقدت “منجم ذهبها” جرّاء الابقاء على فواتير الخلوي بالليرة. السياحة مضروبة. وزارة التربية أمام اشكالية مصير العام الدراسي والامتحانات المرهونة بمصير مكافحة الفيروس. وزارة الاقتصاد باتت مضرب شتائم وانتقادات غبّ الطلب طالما أنّ التجار يتحكمون بلقمة عيش اللبنانيين وبفاتورتهم الغذائية خصوصاً بعد رفع الدعم.

 

أما حقيبة الطاقة التي خاض “التيار الوطني الحر” حروباً شرسة للاحتفاظ بها فقد تصير محرقة من يتولاها. فالتلزيمات لم تعد تطعم خبزاً على اعتبار أنّ الشركات التي ستتولى بناء المعامل، سيكون تمويلها خارج نطاق الدولة اللبنانية، فيما رفع تعرفة الكهرباء والدعم عن البنزين والمازوت قد “يشوي” الوزير على نار اللهيب الشعبي.

 

ورغم كل هذا الاستعداد للتعاون، يستغرب بعض المطلعين على موقف “الثنائي الشيعي” هذه الايجابية المفرطة التي يتمّ تسريبها من خرم مشاورات التأليف، خصوصاً وأنّ رئيس الحكومة المكلف يكتفي بحصر نقاشاته ومفاوضاته برئيس الجمهورية، فيما التشاور على غير خطوط لا يزال معلّقاً، حيث يجزم المطلعون أنّ الاتصال مقطوع بين الحريري و”حزب الله” من يوم تكليفه، ما يعني أنّ اصراره على اخراج حكومته سريعاً الى الضوء دونه خطوات لا بدّ من تسديدها، قبل حمل مسودته إلى قصر بعبدا لتوقيع مراسيمها.

 

وإذا ما افترضنا أنّ عون والحريري تفاهما على حجم الحكومة، فإنّ الانتقال إلى تفاصيل توزيع الحقائب يجب أن يمرّ أولاً بمسألة الثلث المعطل التي يصرّ عليها “حزب الله”، كما يقول بعض المطلعين على موقفه. إذ تفيد المعلومات أنّه في حال رست التشكيلة على صيغة عشرينية، فهذا يعني أنّ حصة قوى الثامن من آذار ستتخطى حكماً السبعة وزراء، وهذا ما يفسر الكلام المتداول عن بلوغ حصة هذا الفريق عتبة العشرة وزراء قد تكون موزعة على الشكل الآتي: 4 وزراء شيعة، وزيران لـ”المردة”، ثلاثة وزراء لرئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، وزير أرمني، اضافة الى وزير درزي قد يُمنح الى النائب طلال ارسلان بتعهد من رئيس الجمهورية.