Site icon IMLebanon

بعد التسليم بالتكليف… أهلاً بكم في “جهنم” التأليف!

 

إستعاد رئيس الجمهورية ميشال عون خطابه المعارض ولو أنّه على رأس هرم السلطة. بدا في كلمته مستسلماً لـ”قدر الانهيار”، ولمسبّباته. الأهم من ذلك، بدا وكأنّه يغسل يديه سلفاً من “آثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة”.

 

لا يُحمّل ميشال عون كامل المسؤولية عن “خراب” عمره عقود من الزمن، وهو الذي بلغ قصر بعبدا على متن نظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، في جمهورية تنازع في آخر أيامها، وتعتاش من “مصل” الدعم الخارجي… لكنّ زعامته ورئاسته لأكبر تكتل نيابي ولأكبر تكتل وزاري وتفاهماته مع المنظومة الحاكمة، تضبطه في “جرم الشراكة”.

 

الأهم، هو أن رئيس الجمهورية فتح باب التأليف “اليوم مطلوب مني أن أشارك في عملية تكليف رئيس للحكومة وتأليفها، سائلاً إذا ما كان من سيُكلف ويؤلف سيلتزم ببرنامج الإصلاح”. من هذه النقطة بالذات سيحوك رئيس الجمهورية نيابة عن “التيار الوطني الحر” مدخل التفاوض على الحصّة المسيحية… معضلة التأليف.

 

حتى الآن، يتمسك رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بيافطة حكومة الاختصاصيين، في محاولة منه لقطع الطريق على نظام المحاصصة القائم منذ قيام اتفاق الطائف. ولكن عملياً، هذا العنوان أفرِغ من مضمونه من لحظة فضح رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط المستور، كاشفاً أنّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أبلغهم انّ “الدروز سيتمثلون بعباس الحلبي وزيراً للتربية في حكومة مصطفى أديب”. اذاً، لم يكن سفير لبنان السابق سوى واجهة لنادي رؤساء الحكومات السابقين الذين يركبون طرابيش الحكومة وفق حساباتهم.

 

هذا المشروع الذي وضع أول حجارته مع انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، سقط بالكامل، بمجرد تفاهم الحريري مع الثنائي الشيعي على تسميته رئيساً مكلفاً، بعد الاتفاق على آلية واضحة لتسمية الوزراء الشيعة يكون فيها الرأي الغالب لـ”حزب الله” وحركة “أمل”.

 

ومع ذلك، تشير بعض المعلومات إلى أنّ التوافق المبدئي بين الحريري و”الثنائي الشيعي” لم يكتمل عقده بعد، وقد تركت تفاصيله إلى ما بعد التأليف. إذ تؤكد المعلومات أنّ “الثنائي الشيعي” يتصرف على أساس أنّ الآلية المتفق عليها تقضي بأن يتبادل مع الرئيس المكلف الأسماء المرشحة للتوزير، تمهيداً للاتفاق على سلّة مشتركة. أما من جهة الحريري فلا يبدو أنّ هذا الاتفاق محسوم لا بل يخشى الاقدام عليه كونه سيسمح بفتح باب بازار لا آخر له حول المرشحين لدخول حكومته، خصوصاً من الجهة المسيحية.

 

ولهذا يعتقد المواكبون أنّ الألغام التي تعترض التأليف ليست بقليلة وقد تؤجل مشاهد التسليم والتسلم أسابيع إن لم نقل أشهراً. وهذه عيّنة عن بعض هذه الألغام:

 

– سيخوض “التيار الوطني الحر” معركة التأليف على قاعدة الانتقام من التكليف، وتعويض الضربة التي لحقت به جرّاء عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة خلافاً لرغبة الوزير السابق جبران باسيل. ولذا سيكون سقف رئاسة الجمهورية عالياً ومكلفاً بشكل يصعّب مهمة رئيس الحكومة المكلف قدر الامكان.

 

– الاشكالية الأصعب التي تواجه عملية التأليف هي الحصة المسيحية. لا مفرّ أمام رئيس الحكومة المكلف سوى عبور ممر رئاسة الجمهورية الإلزامي، مع ما يحمله هذا الممر من كلفة سيضطر الى تسديدها من الحصة المسيحية، خصوصاً اذا ثبت أنّ الثنائي الشيعي كما رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” تشاركا مع الحريري في تسمية الوزراء الشيعة والدروز. ما يعني أنّه سيكون مُلزماً في تشريع أبواب التشاور مع رئاسة الجمهورية لحسم هوية الوزراء المسيحيين… ما سيقود بالاستطراد إلى “مشروع مشكل” مع القوى المسيحية التي دعمت تسميته وهي التي ستعتبر نفسها “بيّ الحكومة”.

 

– ولكن قبل الغوص في التفاصيل لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عديد الحكومة سيكون بدوره موضوعاً خلافياً اذا ما أصر الحريري على حكومة من 14 وزيراً، فيما الرئاسة تفضل الصيغة الأكثر “رحرحة” لتطال عتبة العشرين وزيراً. واذا ما سلمنا جدلاً أن حقيبة المالية محسومة للشيعة، فسينتقل السؤال حول مصير الحقائب السيادية الأخرى: هل سيطالب الرئيس بحقيبة الداخلية أم سيكتفي بالدفاع والخارجية؟

 

– على الهامش، تبرز عراقيل أقل صعوبة، تتصل على سبيل المثال برغبة رئيس الحكومة المكلف في تسمية وزير مسيحي، أو في رغبة رئيس الجمهورية في تسمية وزير سني. أضف الى ذلك، مسألة مشاركة “الحزب الديموقراطي اللبناني” ومصير وزارة الأشغال التي قد تسحب من حصة “المردة”.

 

– واذا ما افترضنا أنّ كل هذه الاشكاليات حلّت بسلام، ماذا عن حقيبة الطاقة؟ تلك الحقيبة التي كانت تؤجل الحكومات بسببها لأشهر وأشهر. هل سيقبل “التيار الوطني الحر” بالتخلي عنها؟

 

في المحصلة لا بدّ من تسجيل ملاحظة أخيرة وهي أنّ حكومة سعد الحريري اذا ما تشكلت قد تكون آخر حكومات العهد، وهذا العامل وحده يكفي ليزيد من مفاوضات التأليف تعقيداً وألغاماً.