يريد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إنقاذ ما تبقى من عهده، لكنه يعرف في المقابل أنه حتى لو ولدت الحكومة برئاسة الرئيس المكلّف سعد الحريري فهذا لا يعني أن الفرج بات قريباً، خصوصاً مع العقوبات التي فُرضت على رجل العهد الأول رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل.
تدخل البلاد مرحلة ضبابية جداً مع تفشي فيروس “كورونا” والذهاب إلى مرحلة الإقفال بدءاً من يوم السبت المقبل، ما يعني إرتفاع حدّة الأزمة الإقتصادية نتيجة إقفال المرافق الحيوية الخاصة، في حين أن تأمين تمويل الدولة من طبع الليرة نتيجة إستمرار الفساد والسرقة من المال العام سيزيد من حدّة التدهور الإقتصادي وإرتفاع سعر الدولار.
ولا يبدو قصر بعبدا في موقع يملك الكثير من الخيارات وسط إنشغال باريس بأزماتها الداخلية وتفشي “كورونا”، حيث أن أجواء قصر الإليزيه تشير إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يزال عند كلامه الأخير عندما أعطى مهلة 6 أسابيع للقادة اللبنانيين لتأليف حكومة جديدة، وسط تأكّد فرنسا أن هذه المهلة لن ينتج عنها أي شيء لا بل ستزيد الوضع تعقيداً.
وما ساهم في تدهور الأمور ظن بعض السياسيين أن أميركا مشغولة بانتخاباتها ولا تريد التعاطي في الشأن اللبناني، لكن هؤلاء غفلوا عن أمر أساسي ومهم وهو أن واشنطن إدارة لا تتأثر بالأشخاص وهناك برنامج عمل تنفذه وتعطي كل ملف وقته ولديه قنواته الخاصة، والملفات الخارجية غير مرتبطة بالشأن الأميركي الداخلي.
وفي السياق فان العقوبات على باسيل والتي من المنتظر أن تتبعها عقوبات على شخصيات أخرى جعلت الساحة اللبنانية في حالة صدمة وإرباك، وهذه الصدمة سببها أن رجل العهد بات في مرمى النيران الأميركية، وأن كل المهل التي كانت توضع سابقاً سقطت.
وتتسلح دوائر بعبدا بنظرية ميثاقية من أجل عدم المضي في حكومة تعتبرها حكومة كيفما كان، ولا تحبذ الدخول في سجالات، بل تريد طبخ التشكيلة الحكومية على نار هادئة من دون أن يمارس أي فريق ضغطاً داخلياً أو خارجياً أو يجبر رئيس الجمهورية على الإلتزام بمهل زمنية معينة.
ويبدو واضحاً أن “التيار الوطني الحرّ” يشدّ على يد الرئيس لعدم “التوقيع على بياض” لحكومة برئاسة الحريري، خصوصاً أنه يتسلح بالميثاقية، فالحريري يرفض الحديث مع باسيل كما أن لا حوار بينه وبين “القوات اللبنانية” للحصول على غطائها المسيحي، كذلك، تحدثت التسريبات عن أن الحريري لا يريد أن يسمي رئيس الجمهورية الحصة المسيحية، بينما هو يستأثر بالحصة السنية وأعطى وعداً لرئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط بتسمية الحصة الدرزية، كما ترك لـ”حزب الله” وحركة “امل” تسمية الوزراء الشيعة.
وأمام كل هذه الوقائع تبدو الصورة الحكومية ضبابية جداً ولا تبددها أي مبادرة فرنسية جديدة أو تسوية أميركية – إيرانية، لأن الزمن ليس زمن التسويات حالياً وسط الضبابية التي تلوح أيضاً في واشنطن.
من هنا، فان كل الإستنتاجات أن المحاولات التي تجري لإستيلاد الحكومة تأتي في الوقت الضائع لأنه لا يوجد أي قرار إقليمي ودولي بحل أزمة لبنان، كما أنه لا توجد نوايا داخلية تسهّل الولادة الحكومية بعد العودة إلى منطق المحاصصة وتقاسم الحصص وعدم القبول بالمداورة الشاملة، ما يعني أن الأمور لا تزال تراوح مكانها ولا شيء يوحي ان هناك حلاً حكومياً قريباً، بل إن الأزمات التي تضرب البلاد من صحية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية لن تترافق مع ولادة حكومة تضع الحل على السكة الصحيحة.