لم تحمل الأيام القليلة الماضية التي تلاقت فيها مظاهر الإغلاق بسبب كورونا وعطلة عيد الاستقلال، اي إشارة الى لقاء او اتصال بين المعنيين بتشكيل الحكومة، حتى لتبادل التهاني بالعيد. ورغم ذلك، فقد تسرّبت رواية خرقت السكون السياسي، عن مشروع زيارة للرئيس المكلّف سعد الحريري غداً للقصر الجمهوري، حاملاً تشكيلة حكومية يمكن ان تشكّل قاعدة للبحث للمرة الاولى. فما هي جدّية هذه الرواية؟
في غمرة الوساطات والضغوط الدولية التي تقول بضرورة الإقلاع بالتشكيلة الحكومية اللبنانية في مثل هذه الظروف، لم يبد اي من المسؤولين اهتماماً بها. فبقيت المناحرات قائمة ومعها مجموعة الأفخاخ المتبادلة، للإيقاع بين هذا وذاك وزيادة الشرخ بين اللبنانيين، حتى بدت عملية التأليف من سابع المستحيلات، وسط صمت مريب سمح لمخيلات كثر بابتداع السيناريوهات الوهمية التي تناولت عملية توزيع الحقائب وإنزال الاسماء عليها بطريقة مملة وقاتلة، في مرحلة تحتاج البلاد الى حكومة جديدة تغطي عورات المستقيلة، وتطلق مسار الحل المطلوب على اكثر من مستوى.
وفي ظلّ الصمت المطبق الذي ميّز مسلسل لقاءات رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس المكلّف سعد الحريري، التي اقتربت من العشرة، اكتفت البيانات الرسمية التي واكبتها بالحديث عن «اجواء ايجابية مريحة» و»عمل متأنٍ»، بهدف الاسراع في عملية التشكيل من دون تسرّع. وهكذا دواليك، بقيت الأمور تجري بطريقة مملة الى ان بدأت تتحدث المعلومات عن فقدان الكيمياء بين الرجلين، وأنّ الأوصاف التي أُغدقت على إجتماعاتهما تخفي خلفها «براغماتية قاتلة». فلم يصل الرجلان الى أي تركيبة تشكّل قاعدة صلبة يمكن الإفادة منها لوضع اللمسات الاخيرة على التشكيلة الموعودة.
ثمة من يعتقد انّ المناقشات بين عون والحريري تناولت كل شيء ما عدا ما يُسمّى «الهيكلية الطبيعية» للحكومة، بعدما تمّت تجزئة العملية بفعل استثناءات متعددة ومن خارج الآليات التقليدية التي اعتُمدت في حالات وتجارب سابقة. وعلى خلفية الحديث عن هذه الآلية الجديدة، فقد عزاها البعض الى ما قالت به المبادرة الفرنسية. وردّها بعض مدّعي المعرفة الى انّها من البنود السرّية التي تحدثت عنها المبادرة وبقيت خافية على كثر. وعلى هذه الخلفية، فكل ما تسرّب من كواليس التأليف يوحي أنّ اللقاءات في المرحلة الاولى بقيت في اطار توزيع الحقائب وطريقة ترجمة المداورة بين الحقائب السيادية، بعد إسقاط وزارة المال منها، قبل ان تنتقل الى الحقائب الخدماتية وتلك التي خُصّصت لها الموازنات الضخمة، ان وصل اللبنانيون يوماً ما الى ترجمة ما قالت به مقررات «سيدر 1» والتي خُصّص جزء منها لبعض القطاعات الانتاجية والاستثمارية الضخمة، كالطاقة والنفايات وما يتصل بالشؤون الإجتماعية والصحية والأشغال العامة والنقل وبعض المؤسسات الكبرى، عدا عن تلك التي ستواكب مرحلة اعادة اعمار مرفأ بيروت ومنشآته والمناطق المنكوبة من بيروت التي شهدت دماراً شاملاً.
ويقول بعض العارفين، انّ كلاً من عون والحريري حرصا على التكتم على ما يقومان به لإخفاء حجم الخلافات المستحكمة بينهما، ومخافة ان تسقط الشعارات التي حفلت بالوعود بإمكان تشكيل حكومة رسمتها المبادرة الفرنسية ووصفتها بالحيادية والمستقلة الخالية من الوجوه الحزبية. وزادت من اهميتها العقوبات الاميركية التي طاولت من طاولتهم من الوزراء السابقين، لتزيد الوحي بإمكان ابعادهم أو من يمثلهم او يشبههم في إدائهم، من المستشارين والدائرين في فلك قياداتهم السياسية والحزبية، عن الحكومة الجديدة. وقيل انّها ستكون الحكومة التي تعطي الامل في امكان تشكيل فريق عمل متخصّص ومتحرّر لم يعرفه لبنان بعد.
وعدا عن الحديث المتفائل بقدرة الحكومة الموعودة على احياء الثقة الداخلية والخارجية المفقودة بالسلطات الرسمية بوجوه قادتها والممسكين بزمام المؤسسات التابعة لها. وأملاً في الإصلاح والتغيير المنشودين، وبلوغ مرحلة متقدّمة من الشفافية في التعاطي مع المال العام في معالجة الملفات الحيوية التي تعني يوميات اللبنانيين في طريقة عيشهم وصحتهم ومورد رزقهم الكافي لقوت يومهم، بعدما فقدوا احلامهم بالمستقبل الذي كانوا يعملون من اجله في جو من الاستقرار المالي والاقتصادي والنقدي الذي فُقد بين ليلة وضحاها، وحلّت محلها كل وجوه الأزمات التي زادت منها جائحة كورونا وعمقتها على اكثر من مستوى.