Site icon IMLebanon

مسرحية تناقض الحجج لتأخير الحكومة

 

بعد الإنتهاء من مسرحية تقديم مسألة التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، بالرغم من أهمّيته، على أولوية تأليف الحكومة وادّعاءات الإنتصار من كلّ صوب، راحت السكرة وجاءت الفكرة. بين رسالة الرئيس ميشال عون إلى البرلمان وردّ الأخير عليه بقرار يشدّد على التدقيق في سائر الوزارات والمؤسسات والصناديق والمجالس، لن تنتهي فصول القضية، سيتمّ إلهاء الناس بتفسير “القرار” البرلماني الذي سيتطلّب تنفيذه وقتاً، وكذلك عبارة “بالتوازي”.

 

لا يقلّ هذا العنوان أهمية عن الحجج الواهية التي نسمعها منذ 5 أسابيع لتأخير الحكومة.

 

كيف يُطلب من الرئيس المكلّف سعد الحريري أن يتشاور مع الكتل النيابية لتأليف الحكومة، ثم يقال له إنّ مسؤولية التأليف تقع عليه بالتعاون مع رئيس الجمهورية؟

 

يستتبع هذا التناقض مفارقة أخرى، حين يطالَبُ الرئيس المكلف بأن يأخذ في الإعتبار التوازنات السياسية في البلد، وفي الوقت نفسه يوافق فرقاء هذا “التوازن” على أن تكون الحكومة من المستقلّين وغير الحزبيين، حيث لا توازنات ولا من يحزنون بالمعنى السياسي، إلا في التوزيع الطائفي للوزراء، على قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وعلى تقاسم المذاهب في الطائفتين وِفقاً للمُتعارف عليه.

 

قامت فكرة حكومة المستقلّين أساساً على الخروج من شرنقة تمثيل الكتل النيابية، التي حالت تناقضاتها دون الإصلاحات المطلوبة التي يدّعي كل منها أبوّتها. ولو لم تجهض صراعات تلك الكتل على السلطة والمغانم، باسم التوازن والشراكة والخلفيات الإقليمية، هذه الإصلاحات، لما وقع لبنان في الحفرة منذ صيف 2019. ما قصده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشديده على أن تدعم الكتل البرلمانية الحكومة، هو أن يأخذ الفرقاء المنبوذون “إجازة” لستّة أو ثمانية أشهر من المحاصصة والتناحر على المواقع في المؤسسات والإدارات والإنفاق المالي، ريثما ينجز الوزراء غير الحزبيين الإصلاحات لوقف الإنهيار، تمهيداً لإطلاق التعافي المالي والإقتصادي بدعم دولي.

 

يبلغ استغباء العقول في تناقض الحجج حول تأخير الحكومة درجة عالية. تارة، يُقال إنّ الرئيس المكلّف يخضع للضغط الأميركي وللضغط السعودي بعدم تمثيل “حزب الله” في الحكومة، وأخرى يقول قادة “حزب الله” انّهم لم يتبلّغوا من الحريري أنّ هناك طلباً من أي جهة خارجية بعدم تمثيله في الحكومة، فيما ليس مطروحاً أن يتمّ تمثيله فيها في الأساس وبقبول منه، لأنّ هذه القاعدة ستنسحب على كلّ الفرقاء.

 

تارة يُتّهم الأميركيون بأنّ فرضهم العقوبات على حلفاء الحزب هدفه ضرب المبادرة الفرنسية وإجهاضها، وأخرى يتّهم الفرنسيون بأنّهم ألحّوا على وزراء مستقلّين وغير حزبيين إرضاء للأميركيين، فيما العقوبات قائمة قبل عملية تشكيل الحكومة، ومستمرّة أثناءها وستتواصل بعدها.

 

تضيع أبسط قواعد المنطق حين يحمِل الرئيس عون على الحريري، بحجّة أنّه يستقوي بالمبادرة الفرنسية ضدّ فريق الرئاسة و”التيار الوطني الحرّ”، ثم يلومه ويلوم “حزب الله” و”الثنائي الشيعي” بسبب قبوله استثناء حقيبة المال من المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، لمرّة واحدة لتبقى في حوزة شيعي، بناء لإلحاح فرنسي عليه منتصف شهر أيلول الماضي لتسهيل المهمّة على الرئيس المكلّف آنذاك السفير مصطفى أديب. الأخير اعتذر بعدما اصطدم بمطالب الرئاسة في الحكومة، وإصرار الثنائي الشيعي على تسمية الوزراء الشيعة بدلاً من أن يختارهم الرئيس المكلّف لضمان استقلاليتهم.

 

بالإمكان سرد المزيد، والمقصود أن يسأم اللبنانيون ليقبلوا بأيّ حكومة كالسابق.