أمضى فريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أكثر من أسبوعين في اطار التمهيد لخطوة رفعه مسودة حكومية كاملة إلى رئيس الجمهورية، بعد أكثر من زيارة تشاور مع الرئيس ميشال عون في محاولة منهما للاتفاق على آلية موحدة لتوزيع الحقائب والتسميات، ولكن من دون جدوى. كان التباعد جلياً بين الرجلين، فيما بدا رئيس الحكومة مطوقاً بسلسلة وعود قطعها لأكثر من فريق، ويعجز عن الايفاء بها… إلى أن قرر الخروج عن الأعراف التقليدية في التأليف ووضع صيغة “الأمر الواقع”.
مساء يوم الثلثاء الماضي، قصد الحريري قصر بعبدا لايداع رئيس الجمهورية تصوره للحكومة.
بدا وكأنه مقتنع أنّها ستكون مقبولة من الأطراف الداعمة له، أي “التيار الوطني الحر”، حركة “أمل”، “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، مع أنّه لم يتشاور، أقله مع فريقين منهما في رأيهما في الأسماء التي ضمّها إلى تشكيلته. واكتفى على سبيل المثال، في اسناد بعض الحقائب إلى شخصيات سبق له أن تداول بأسمائها مع رئيس الجمهورية (كالدفاع والثقافة)، بلا أي ضمانات أو تأكيدات من الأخير بأنّه سيسير بهذه الأسماء.
وأغلب الظنّ، أنّ الحريري تفاجأ بردّ رئيس الجمهورية الذي جاء وللمرة الأولى مكتوباً، وهو عبارة عن صيغة حكومية تتضمن توزيع الحقائب على القوى السياسية التي يفترض أنها ستؤمّن لحكومته الثقة النيابية، ولكن من دون أي أسماء. اللافت، وفق العونيين، أنّ رئيس الحكومة المكلف خرج من قصر بعبدا متسماً بالايجابية، وإذ بماكينته الاعلامية والسياسية تشنّ بالأمس هجوماً على خطوة رئيس الجمهورية بوصفها تعدّياً على الدستور وعلى صلاحيات رئيس الحكومة بالذات. وهي وإن كانت تحصل للمرة الأولى، لكنها بالنتيجة شكل من أشكال التعاون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف الذي ينصّ عليه الدستور، كما يقول العونيون، وهـو اتخذ هذه المرة صفة الورقة المكتوبة فيما كان يحصل في المرات السابقة على نحو شفهي.
يؤكد هؤلاء أنّ أفكار رئيس الجمهورية ليست ملزمة وانما قاعدة للنقاش والحوار مع القوى السياسية، ولهذا يستغرب هؤلاء الحملة التي شنّها فريق الحريري، خصوصاً وأنّ مبادرة رئيس الجمهورية هي من باب النصح وليس الفرض أبداً.
أكثر ما يتوقف عنده العونيون، هو النهج الذي اتبعه رئيس الحكومة في وضع صيغته الحكومية من دون التشاور مع القوى السياسية التي يطلب ثقتها النيابية، فبدا وكأنه يحاول تكريس عرف مرفوض من بقية الأطراف. ولذا يعتقد هؤلاء أنّ الحريري لا يريد أصلاً تأليف حكومة في هذه اللحظة، وانما قدّم تشكيلة “رفع العتب”، وكأنه يحاول اثبات حسن نيّة أمام الفرنسيين بأنّه يؤدي قسطه للعلى، وبأنه يحاول انجاز الـhomework على أكمله، بمعزل عما اذا انتهت المهمة الى فشل ذريع أم لا.
هكذا، يخلص هؤلاء الى أنّ محاولة الحريري لا تنم عن محاولة جدية لتشكيل حكومة، لا بل هو يسعى لكسب مزيد من الوقت عبر ملئه ببعض المحاولات ولو غير المجدية. يؤكدون أنّ الحريري ليس مستعجلاً لمواجهة زلزال رفع الدعم الذي سيحصل عاجلاً أم آجلاً، ويفضل ترك حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب في الواجهة لتواجه اعصار رفع الدعم. وبالتالي، من البديهي ألا تتسم صيغته الحكومية بالجدية الكافية التي تجعلها موضع نقاش عميق قد يساهم في ولادة مراسيم تأليف حكومته.
في الشكل، تفاهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أن يدرس كل منهما الاقتراح الذي تقدم به كل منهما. في العمق، لا تزال المشاورات الحكومية بعيدة كل البعد عن لحظة الولادة، طالما أنّ دونالد ترامب لا يزال في البيت الأبيض، وطالما أنّ لغم رفع الدعم لم ينفجر بعد.