تؤكد حرب البيانات بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” ان تشكيل الحكومة صار من رابع المستحيلات. لم يعد لدى الرئيس المكلف ما يقدمه بعد تقديم تشكيلته الحكومية وهو ينتظر ملاحظات رئيس الجمهورية، وليس مستعداً لمناقشة “طرح” عون على اعتبار ان مهمته تقديم التشكيلة ليناقشها مع عون وليس العكس، في المقابل ينتظر قصر بعبدا ملاحظات الحريري على الطرح العوني. وما بينهما يتوسع اتهام مصادر سياسية لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بأنه ومن خلال “غرفة الاوضاع” وفق وصف المصادر، “يسعى الى تشويه صورة الآخرين بدل تشويه صورته وهو ما ستتصدى له الاطراف التي تعتبر نفسها مستهدفة، على اعتبار ما يقوم به انما يستهدف كل البلد ولن يتوقع حينها ان يقال له يا محلا الكحل بعينك لانه غرق ويريد للجميع الغرق معه”. وكيف لفرنسا الساعية لانجاز ولادة الحكومة قبل وصول رئيسها الى لبنان عشية عيد الميلاد ان تخترق جدار التصادم؟
بعد الزيارة الشهيرة التي قام بها الى اللقلوق وتلبية لتمني الموفد الفرنسي باتريك دوريل أجرى باسيل اتصالاً بالرئيس المكلف سعد الحريري لم يؤت اكله. لم ييأس الفرنسيون من عملية التنقيب عن مفتاح حل لتشكيل الحكومة في حقل الالغام اللبناني. مجدداً عادوا الى مربع الطلب من باسيل لعب دور المسهل لعميلة تشكيل الحكومة والطلب اليه مجدداً فك القطيعة مع الحريري. وافق باسيل وأبدى استعداده لارسال موفد نيابي الى الحريري. حمل الفرنسيون الإقتراح على اساس جس نبض الحريري بشأنه. ويفهم مما تقدم ان “الوطني الحر” وافق على التواصل مباشرة مع الحريري وكان في انتظار جواب من الراعي الفرنسي لم يصل بعد، بما يوحي ان القرار لدى الحريري هو “القطيعة وليس التواصل”، وفق المصادر، بدليل البيان العنيف الذي صدر عن كتلة “المستقبل” الذي تضمن رداً ضمنياً على بيان الهيئة السياسية “للوطني الحر”، التي اعلنت “تصديها لكل سلوك يهدف الى شلّ العمل القضائي عموماً ومنعه تحديداً من إستكمال مسار التحقيق، في جريمة إنفجار مرفأ بيروت لكشف المتسببين بها ومحاكمتهم”.
وما هي الا ساعات حتى جاء الرد العنيف لكتلة “المستقبل” التي تحدثت عن “مخطط لاحتواء وعزل الموقع الاول للطائفة السنية في لبنان”، وانتقدت من “يجيزون لانفسهم حقوق الدفاع عن مواقعهم وطوائفهم ووظائفهم ومكوناتهم، ويجيزون لانفسهم ايضاً تعطيل البلاد سنوات وسنوات، غير آبهين بالخسائر المادية والانعكاسات المعيشية والاقتصادية لتأمين فرص وصول الاقوى في طائفته الى رئاسة الجمهورية. وهم من حقهم تعطيل تشكيل الحكومات، كرمى لعيون الصهر، او بدعوى فرض المعايير التي تجيز لقيادات الطوائف تسمية الوزراء واختيار الحقائب الوزارية والتمسك بالثلث المعطل، حتى ولو اضطرتهم المعايير الى القضم من حصص الطوائف الاخرى”. بيان لم يجد فيه “الوطني الحر” الا تأكيداً على ما أصبح يقينا لديه بأن “الحريري غير جاهز لتشكيل الحكومة ويفتعل كل الاسباب للعرقلة بما فيها التصعيد السياسي، من بعد ممارسة الهيمنة والتفرد وخرق الدستور بعدم التشاور مع رئيس الجمهورية”. وتقول مصادر قيادية في التيار الوطني: “من غرائب الامور ان يربط بيان المستقبل بين التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وعملية تشكيل الحكومة، واذا كان هناك من محاولة للانقلاب على الدستور فهي محاولة الانقلاب على الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور، التي تنص على ان الرئيس المكلف يشكل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. اما المطالبة بوحدة المعايير فهي تكريس للشراكة الوطنية الا اذا لم يعد هؤلاء مؤمنين بها”.
وتعتبر المصادر أن “التلطي وراء الحماية الطائفية بحجة الدفاع عن رئاسة الحكومة هو ضرب للدستور ولمؤسسات الدولة وفي طليعتها السلطة القضائية”. رفع السقف بالنسبة لـ”التيار الوطني” بهذا الشكل “والعودة الى لغة ما قبل الطائف او قبل انتهاء الحرب هو استحضار للغة الانقسام والتحدي، ولا يسهّل عملية تشكيل الحكومة بل قد يفتح الجدل والسجال على مسائل اكثر تعقيداً”. بات واضحاً لـ”التيار الوطني” وجود “محاولة سياسية لشل عمل القضاء في ملف تحقيق المرفأ او غيره من الملفات”. تقابلها “ارادة في اتباع سياسة الابواب الموصدة واقفال كل باب حوار، وكأن هناك نية مقصودة لدفع البلد الى تصعيد وهو ما لم ينجر اليه التيار الوطني الحر، لأنه في وجدانه الوطني وقناعاته ومشروعه مؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الاهلي”. في تقدير “التيار الوطني” ان “الحريري عاجز عن تشكيل حكومة ويبحث في سبل ابعاد هذه الكأس المرة عنه، وهو يعتبر ان الحلقة الاضعف التي يمكن استضعافها هي التيار والسبب هو الخوف من اي صراع مذهبي مع الطائفة الشيعية”. ما يسكت عنه للقيادات والطوائف الاخرى يبالغ في تحميله لـ”التيار الوطني” وبيئته، و”نحن نكرر الدعوة للعودة الى لغة العقل واعتماد السبل الدستورية وروح الميثاق، وهي روح ميثاقية ولن نكون شركاء لا مع الحريري ولا مع غيره في هدم الهيكل اللبناني، ونضع كلام تيار المستقبل التصعيدي في تصرف الرأي العام اللبناني، ونصرّ على ان الاولوية هي فصل ما هو قضائي عمّا هو سياسي، بمعنى ان تقوم السلطة القضائية بواجباتها في ملف المرفأ كما في اي ملف آخر. وان يتم تشكيل حكومة بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة وان تأخذ الحكومة المبادرة الفرنسية كخطة لها، على ان تلتزم الاصلاحات والتدقيق الجنائي وكل اصلاح في مرفق عام وان تسرع المفاوضات مع صندوق النقد”.