جوهر المبادرة الفرنسية حكومة تقنيين مستقلّين. وأضاف إليها الرئيس إيمانويل ماكرون مُلحقاً هو التوقيت إذ أمهَلَ الأطراف السياسية اللبنانية ما بين أربعة وستة أسابيع. قيلَ يومها إنّ الرئيس الفرنسي يلحَظ، بهذا التوقيت، نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية المُنتظرة في الثالث من تشرين الثاني المُقبل. أمس في الأسبوع الرابع كُلّف الرئيس سعد الحريري ويأمَل اللبنانيون، مثل قصر الإليزيه، أن يتمّ التأليف خلال الأسبوعين المقبلين على الأكثر.
رئيس المجلس والرئيس المكلّف إستعجلا الإستشارات: بعد ظهر اليوم الجمعة. الأهمّ هو الكلام التفاؤلي المُقتضب الذي أدلى به برّي من القصر الجمهوري إثر اللقاء البروتوكولي بين الرؤساء الثلاثة الذي عقبه الإعلان عن التكليف. وأبو مصطفى ليس من الذين يرمون بالكلام على عواهنه. وهو يقصد كلّ كلمة يقولها بعد أن يكون قد أشبعها درساً. فهل تقصّد أن يبثّ جوّاً إيجابياً من خلال جرعة التفاؤل التي طلع بها أمس، أو أنّ الأمر أكبر وأبعد مدى باعتبار أنّ لديه معطيات تؤكّد الإستعداد للتعاون من قِبل الجميع؟
في أيّ حال من زمان لم يعد التأليف عمليّة طبيعيّة عندنا. أقلّه لم يعد سهلاً. فطريقه مزروعٌ بالألغام بعضها على كبير صعوبة. إحدى الصعوبات قلّل من شأنها رئيس المجلس بتشديده على الجو الذي هو أكثر من جيّد بين المستقبل والتيار الوطني الحرّ. فهل ثمّة حراك بعيد عن الأضواء، قام به الأستاذ في الأيام الأخيرة؟ الجواب سيكشف عنه طالع الأيام.
الصعوبة الثانية تتمثّل بحرص الثنائي الشيعي على أن يُسمّي الوزراء الشيعة في الحكومة، أمّا وزارة المال فلم تعد عقدة. بينما الرئيس الحريري أعلن أمس إلتزامه الكامل بالمبادرة الفرنسية.
وتبقى مسألة الحراك في الشارع الذي بدأت بوادره (خجولة) مُترافقة مع ما شهدته مواقع التواصل الإجتماعي. ولكن هذا لن يكون ذا قدرة على العرقلة بحسب ما يرى العارفون.
المهمّ أننا إنتقلنا من الجمود إلى خانة إيجابية، فقد بدأت مسيرة مختلفة إنعكست إيجابيّاتها على سعر صرف الدولار الأميركي الذي تراجع بشكل لافت جداً في السوق السوداء أمس. الآن مطلوب المضي في هذه الروحية التي أعلن عنها الجميع مَن سمّى ومَن لم يُسمِّ الحريري، فالبلاد لم تعد تحتمل أكثر خصوصاً أننا أمام «الفرصة الأخيرة» كما وصفها الرئيس المكلّف من قصر بعبدا، في البيان المقتضب جداً الذي أدلى به إثر التكليف.