لا زالت أجواء التأليف ضبابية، في ظل توقّع حصول مفاجآت قد تؤدي إلى إعادة خلط الأوراق من جديد، وذلك على أكثر من خط ومؤشّر سياسي ينبئ بصعوبة التوافق بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، إذ دخلت عوامل جديدة على الخط تتمثل بمطالبة رئيس الحزب «الديمقراطي اللبناني» النائب طلال إرسلان بموقع وزاري، وبالتالي، تحدّثت معلومات عن أن الحكومة ستصبح «عشرينية»، والمؤشّرات توحي بأن رئيس الجمهورية، وفي حال التقى الحريري، سيطلب منه تشكيل هذه الحكومة العشرينية، الأمر الذي يحظى بدعم النائب إرسلان باعتباره عضواً في تكتل «لبنان القوي»، وسط مباركة من حلفاء إرسلان من القوى التي كانت تسمى بـ 8 آذار.
ومن الطبيعي، وفق مصادر نيابية مواكبة، فإن الحريري لن يتراجع عن المسودة التي رفعها إلى رئيس الجمهورية في لقائهما الأخير، أي التمسّك بصيغة الـ 18 وزيراً، وعندئذٍ ستشهد الساحة اللبنانية عملية خلط أوراق،إذ تتّجه الأنظار إلى موقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الذي قال «فليتمثّل إرسلان ولتحكم الممانعة»، إنما الوقائع مغايرة تماماً على صعيد اعتبار زعيم المختارة، تمثيل خصمه على الساحة الدرزية، هو بمثابة الرسالة التصعيدية من قبل رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» في سياق خصومتهما وحملاتهما المتبادلة، والتي تفاعلت في الأيام الماضية وتتّجه إلى المزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة.
وبالتالي، أكدت المصادر نفسها، أن أزمة التأليف لا تنحصر بالشق الداخلي والخلافات بين الأطراف السياسية فقط، إنما تتخطاها إلى البعدين الإقليمي والدولي، بحيث بات واضحاً أن هناك إعادة خلط أوراق أخرى قد يكون لها تأثير على مسار عملية التأليف، وذلك على خلفية تداعيات قمة مجلس التعاون الخليجي، والمصالحة التي جرت بين هذه الدول مع قطر، الأمر الذي ستكون له ارتدادات على المشهد العربي، ولا سيما على الصعيد اللبناني، باعتبار أن هناك تقاطع مصالح لبنانية ـ خليجية ـ عربية وإقليمية، وكل ذلك يرخي بظلاله على الساحة المحلية التي تتوالى على رقعتها التعقيدات والعرقلات، مما يؤشّر إلى أنه ليس في الأفق ملامح لتشكيلة حكومية، وذلك من دون إهمال عامل آخر يتمثل بترقّب موقف الحريري، وسط تساؤلات عن طبيعة المشاورات التي أجراها في الخارج وبقيت بعيدة عن الأضواء، وعن كيفية تعاطيه مع رئيس الجمهورية بعد استقباله للنائب إرسلان وحرصه على حكومة عشرينية وسياسية، مما قد يعيد الأمور إلى المربع الأول.
في موازاة ذلك، تتوالى التسريبات حول أجواء لقاء بكركي بين البطريرك بشارة الراعي والرئيس عون، وما إذا كان سيزور الحريري بكركي في اليومين المقبلين، بمعنى أن ثمة أجواء عن مواصلة الراعي لمساعيه بدعم فاتيكاني وتغطية دولية.
وفي الوقت عينه، تُطرح تساؤلات أخرى عن جدوى المبادرة الفرنسية ومصيرها في ظل المسعى الفاتيكاني، وصولاً إلى تساؤلات عن ورقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وماذا بقي منها في ظل الأجواء الراهنة وعودة الأمور على صعيد التأليف إلى ما دون الصفر، وكذلك تنامي الإنقسامات العامودية السياسية بفعل مواقف زعامات وقيادات ومرجعيات تدل على عمق الأزمة وصعوبتها في هذه المرحلة الخطيرة والإستثنائية.
أجندة بايـدن مُثقلة بـمُـواجهة «كورونـا» والإنـقسام الـداخلـي ولبنان سينتظر طـويـلاً بـلـورة التوجهات الأميركيّة فـي المنـطقة
هيام عيد
بصرف النظر عن منظر الإنقلاب الذي حصل أمام الكونغرس الأميركي، تؤكد أوساط ديبلوماسية مطلعة، أن الإدارة الأميركية قد أعطت شهادة بالإلتزام بالمعايير التي تنادي بها، وذلك بعدما قالت المؤسسات كلمتها وأقرّ الرئيس دونالد ترامب «المنتفض» و«المنبوذ» اليوم، بالإنتقال السلمي للسلطة وتسليم الرئيس المنتخب جو بايدن، وطي صفحة اقتحام الكونغرس الأميركي من قبل مناصري ترامب. وتوضح هذه الأوساط، أن الرئيس ترامب يغادر منصبه بعدما تّمت محاصرته من قبل الحزبين الديموقراطي، كما الجمهوري، من جهة، وسط رفض السلطات القضائية المراجعات حول الإنتخابات الرئاسية من جهة أخرى، وهو ما يشكل «الصحوة» بعد مشهد العنف الأخير.
وبحسب الأوساط الديبلوماسية، فإن الرئيس ترامب قد دخل في عزلة كبيرة بعد أحداث الساعات الـ 48 الماضية، وما بات يعرف في الولايات المتحدة بالإنقلاب على الديمقراطية، خصوصاً وأن أكثر من 70 بالمئة من الرأي العام الأميركي، قد تأثروا بما شاهدوه من أعمال عنف في الكونغرس، وبالتالي، فقد انقلب مخطّط ترامب، الذي أراد شدّ العصب وحشد جمهوره، لكن المشهد انقلب بسرعة ضده في الشارع، كما في المؤسّسات التشريعية وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل. ولذا، فإن التركيز اليوم في خطاب الرئيس ترامب، هو على إعداد الخروج الملائم من السلطة وعدم قطع الجسور مع الرأي العام لأن أولويته ما زالت العودة إلى المعترك السياسي في السنوات المقبلة، ولذلك يعمل على تصحيح صورته أمام قاعدته الشعبية التي تأثرت بما حصل أمام الكونغرس ورفضت كل الممارسات التي حصلت.
وعلى وقع التحوّلات التي انطلقت من العاصمة الأميركية، لم تتوقع الأوساط الديبلوماسية نفسها، أية انعكاسات في المدى المنظور على الساحة اللبنانية، كما على الساحة الإقليمية، وذلك بصرف النظر عن كل المقاربات التي تنبىء بتغيير وشيك في الأجندة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، إذ تشير إلى أن أمام الرئيس بايدن لائحة طويلة بالملفات الداخلية والدولية، والأولوية لديه في واشنطن، هي متابعة ملف جائحة «كورونا» وتطورات اللقاح والحدّ من انتشار الوباء بشكل كارثي، بعدما بات عدّاد الوفيات يسجّل كل ربع ساعة وفاة مواطن في كاليفورنيا في الساعات الماضية. وبعدها يتم الإنتقال إلى مواجهة التحديات السياسية في ظل الإنقسام الحاد في الشارع الأميركي، والملفات الإقتصادية الداخلية في ضوء التردّدات السلبية للوباء على الوضعين المالي والإقتصادي.
ويبرز في لائحة الأولويات في واشنطن، ملف ترتيب العلاقات مع الحلفاء والشركاء في أوروبا بشكل خاص، ثم العمل على إطلاق المقاربة الخاصة بالإدارة الجديدة في ملف العلاقات مع دول المنطقة، حيث تتحدث الأوساط نفسها، عن مرحلة زمنية غير قصيرة قبل بروز أية مؤشرات أو دلالات على طبيعتها والإتجاهات التي سوف تسلكها بالنسبة لكل ما تتضمنه لوحة المنطقة من صراعات وتفاهمات واتفاقات مستقبلية.
ومن هنا، تعتبر الأوساط، أن الترقّب على الساحة اللبنانية للتطورات الأميركية على هذا الصعيد سيطول أيضاً، خصوصاً وأن الأطراف المعنية بالملف اللبناني «غير مستعجلة»، بينما القدرة اللبنانية على الصمود والمراوحة والإنتظار تكاد تكون معدومة وتُقاس بالساعات وليس بالأشهر أو الأسابيع.