لبنان في وباء أخطر من كورونا. متروك من القادرين على الإنقاذ، وممسوك من صانعي الأزمات والمراهنين عليها. صاحب السلطة الفعلية يتفرج وينتظر وقته الإقليمي. وأهل المناصب صعدوا الى الأشجار العالية، ويرفضون النزول على السلالم التي يمدها الخائفون على مصير البلد. يصرون على السجالات في الهواء الطلق، ويتغافلون عما يحدث للشعب على الأرض من أهوال. الحوار مقطوع بينهم، ولا خطوط مفتوحة مع عواصم العرب والعالم.
ولولا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يحرك خطوط الإتصالات مع كل قادر على التسهيل وكل مراهن على التعطيل، لما حضر لبنان على أية “أجندة” عربية أو دولية. فهو لا يكل ولا يمل، متطوعاً لتطوير”الرعاية الفرنسية” التاريخية للبنان، ونحن لا نتوقف عن الإندفاع في مسار إنحداري مدّعين أنه طريق صاعد الى المستقبل. وأقل ما على صقور الكلام الكبير لتغطية الأفعال والحسابات الصغيرة أن يتعلموه هو قول للرئيس رونالد ريغان: “الذهاب الى المنحدر، والرايات ترفرف يبقى ذهاباً الى المنحدر”.
ماكرون لا يكتم القول: “عاطفتي تذهب نحو شعب لبنان، أما قادته فلا يستحقون بلدهم”. ولا أحد يعرف إن كان سينجح هذه المرة بالإصرار على “فعل كل شيء لتشكيل حكومة ولو كانت غير مكتملة المواصفات”. لكن الكل واثق من صعوبة تفكيك ما وصفه بأنه “حلف شيطاني بين الفساد والترهيب”. فالفساد صار القاعدة لا الاستثناء. والفاسدون هم أهل الحل والربط في البلد. وجماعة الترهيب هي القوة الضاربة في المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة.
والمشكلة، ولو حدثت أعجوبة الإتفاق على تأليف الحكومة، أن الأزمات صارت أكبر من أية حكومة وقدراتها. لا بل أصبحت مستعصية على الحلول الجذرية الضرورية. فما كان ممكناً في خريف 2019 لم يعد ممكناً بعد الوقت الذي ضيعته حكومة فاشلة. وما كان فرصة مفتوحة للإنقاذ داخلياً وعربياً ودولياً بعد كارثة الإنفجار الرهيب في مرفأ بيروت ضاع في خمسة أشهر من اللعب التافه في ظل الخطر وتوظيفه. ونخشى من أن يكون ما ينطبق علينا في حديث الحكومة والأمل في الإنقاذ هو المثل الروسي القائل: “فات الوقت على تمني الصحة الجيدة لرجل وأنت تسير في جنازته”.
والأفظع هو التسليم بأن معركة الحكومة معركة مزدوجة: واحدة هي إعتبار لبنان مجرد “ورقة” في اللعبة بين ايران وأميركا. وثانية مرتبطة بها هي معركة الرئاسة. لكن اللعبة بين واشنطن وطهران طويلة. وارتهان البلد لها يهدد مصيره. وماذا يعني خوض معركة الرئاسة حين تكون الجمهورية كلها في مهب العواصف والمشاريع الإقليمية الخطيرة ؟
تقول الشاعرة سيلفيا باث في إحدى قصائدها: “بعد هذا البلاء العظيم، أي طقوس يمكن أن ترمم الخراب؟”.