لا حاجة لحضّ أهل السلطة على الرفق بحال المواطنين بعدما تسبّبوا بإفقارهم متكافلين متواطئين وضمنوا لهم جهنمَ على الأرض، ليتسوّلوا منهم حقاً بديهياً بتشكيل حكومة آدميين.
صرنا في حيرةٍ من أمرنا. هل هذا الوضع الحكومي المزري “حزّورة” ام “لعب عيال”؟ ولأنّ تعبير “العصفورية” المتداول غير ملائم لإعفائه المتسبّبين بالتعطيل من المسؤولية بحجة “عدم الأهلية”، فإنّ الذهاب بالتحليلات ونظريات المؤامرة والتفتيش عما “وراء الأكمة” يعطي المعنيين أهمية أكبر من كونهم مجرّد أدوات أو عاجزين.
يشبه الرئيسان عون والحريري ممثلَين على مسرح يتلو كل منهما “مونولوغه”، فيما يتكفّل مُلقّنان وراء الستارة بسدّ عثرات الكلام. ويبدو ان نصيحة الاليزيه للرئيس المكلف بـ”كسر الجليد” مع ساكن بعبدا لم تثمر سوى تضخيم لجبل الجليد، فيما المواطن المقهور ينتظر من الطرفين تقريب المسافة وبُشرى انتهاء مهزلة التجاذب التي تحيط بها كمية هائلة من الأكاذيب.
من نافل القول إن حجم التعقيدات كبير اذا صدّقنا انّ الحريري يدافع عن صلاحيات الرئاسة الثالثة وتوزير اختصاصيين مستقلين بعدما عاكس المبدأ بتسليمه “المالية” لـ”الثنائي”، وأنّ غريمه عون يريد ضمان مستقبل جبران باسيل مموَّهاً بـ”حقوق المسيحيين”، فيما داهية عين التينة يعطي من طرف اللسان حلاوة لـ”بيت الوسط” ويترك توأمه الشيعي متنصلاً من تسمية وزرائه ومحرّضاً حليفه الدرزي ونافياً ربط التشكيل بالملف النووي وهو ما لا ينطلي على أحد.
قدّم الرئيس الحريري في بعبدا أمس الأسباب الموجبة التي تدعو الى التأليف محذراً من ضياع فرصة ذهبية لاستعادة الثقة وإعادة إعمار ما خلفه التفجير الاجرامي، لكنّ التمترس ورمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية يحمّلهما سوياً جريمة التعطيل، فما ذنب المواطن اذا كان كلّ منهما يشدّ عصب طائفته ويلعب لعبة مستقبل الرئاسة العتيدة بعد عمر طويل؟
محقٌ الحريري في أنّ لا أحد سيساعدنا اذا لم نساعد أنفسنا، ويبدو أنّ التنازع على تشكيل الحكومة سيحرم البلد اي استفادة اوروبية ويبقي العرب القادرين متردّدين إزاء مساعدة دولة فاشلة تحوّلت مختبراً وموئلاً للفساد ومنصة لهجائهم وتوريد العنف الى حدودهم ومجتمعاتهم.
أبعد من إصرار باريس على عدم تعديل مبادرتها وتأكيدها بحياء انّها حيّة ترزق، اقتناعُها بأن العلّة في عجز الطبقة السياسية، ما يعني ان العطَّار الباريسي سيعجز عن اصلاح ما افسده دهر المنظومة، وما علينا سوى الاستنتاج البسيط بأنّ رحيلها هو الشرط الأساسي لأي انقاذ وتغيير.
برافو دولة الرئيس. عافاك فخامة الرئيس. الناس يموتون عَوَزاً وعلى أبواب المستشفيات وأنتما تتصارعان، وتضمران غير ما تعلنان، وتتباهيان بالعناد كأنه صفة ايجابية تليق بالسياسيين فيما مصير المواطنين والوطن على كفّ عفريت.