من شاهد خلال اليومين الماضيين أطوال المسافات التي تحتلها النفايات على جوانب الطرقات في مناطق عديدة واشتمّ الروائح التي تزكم الأنوف تحت شمس تشرين المحرقة، استعاد كابوس النفايات وأزماتها القديمة الجديدة أدرك أنّ التفاؤل الذي تتمّ إشاعة في الأجواء اللبنانيّة سينفجر في وجه الجميع مع أوّل شتوة سيغرق فيها البلد، وأنّ مشكلة لبنان الحقيقيّة اليوم ليست في ترقّب تشكيل حكومة، وبما أنّ «المكتوب يُقرأ من عنوانه» فالمحاصصة عائدة برغم أنف الموقف الشعبي والدولي الذي لا يطالب بأكثر من الشفافيّة وعدم المحاصصة وعيّنة إصلاح جدّي، ولكن…
«عدم المداورة» عنوانٌ كافٍ لإدخال اللبنانيين في «إحباط» معادلة كانت السبب في إيصالهم منذ «التسوية» الميتة إلى هذا الحال، معادلة «عدم المداورة» ليس ثمن المحاصصة فقط، بل ثمن «التكليف» وعدم تقديمه كتنازل جديد! يحتاج لبنان بأزماته العديدة الأوجه إلى معجزات إلهيّة تخرجه من حال إلى حال، معجزات كثيرة، ولا تلوح في أفق لبنان الدولي حتى الساعة لا معجزة ولا من يُعجزون!وجديّاً علينا طرح السؤال من جذوره، أنّه لولا الثنائيّة الشيعية «كلّفنا خاطركن» لم يكن عندنا حتى اليوم رئيس جمهوريّة ولا رئيس حكومة، وما لم رأسيْ الرئاسة الأولى والثالثة من اختيار حزب الله كان البلد يسبح في بحرٍ من الأوهام عن واقع الدولة والدويلة ومن يتداولون أو يدوّلون!!
سيبقى السؤال واحداً: ما الذي بإمكان أي حكومة أن تفعله للبنان الغارق في مستنقعات من المشاكل المعقّدة التي لا حلول لها؟! الإجابة عمليّاً «ولا شي»، كلّ المخاوف مشروعة في حال فشل الحكومة العتيدة من قبل أن تبدأ، وما إذا كان سيكون بمقدورها أن تأخذ لبنان إلى شاطىء الإصلاح خصوصاً الكهربائي؟! ومشروعة أيضاً المخاوف من أن تكون مجرّد حكومة تعتقد «الثنائية الشيعيّة» أنّه قادرة بها على خداع دول العالم لأنّ «آخر همهم» اللبنانيّين والواقع المزري الذي يعيشونه!
الاتفاق على عدم المداورة لا يبشّر بأيّ خير، سيبقى التوقيع الشيعي والمثالثة الذي حذّرنا منه كثيراً، هو سيّد اللحظة في تشكيل الحكومة وغضّ النظر عن التوقّف عنده تآمر على لبنان واتفاق الطائف وتكريس واقع ستكون تكلفته غالية على الجميع، وعلى المسيحيين خصوصاً، سبق وكتبنا عن أنّ ضغوط «الثنائيّة الشيعيّة» قد نجحت بفرض «توقيع وزير المالية الشيعي» على المراسيم التي يوقعها رئيسي الجمهوريّة والحكومة، وسيكون هذا التوقيع قادراً على تعطيل أي مرسوم يحمل توقيع رئيسيْن، هل يستطيع وزير بعدم توقيعه على مرسوم تعطيل سلطة توقيع رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة؟ أخوف ما نتخوّف منه هو السعي إلى تعطيل سلطة توقيع المراسيم المنوطة برئيس البلاد ورئيس حكومته ثمّ الوزير المختصّ، وثمّة من يضع عصيّ تعطيل كثيرة في دولاب «المراسيم» تمهيداً للوصول إلى «مثالثة» مكرّسة من دون الحاجة إلى الحديث عن تعديل الطائف الذي لم يحدّد نصّاً طوائف الرؤساء الثلاثة، ومع هذا اقتضى العرف اللبناني أن تتوزّع الرئاسات الثلاث على طوائف ثلاث، نحن أمام «مثالثة» تعطيل أي حكومة عبر توقيع وزير المال الشيعي».
علينا في عمليّة تشكيل هذه الحكومة أن نلحق طرف الخيط، وطرف فيها يبدأ من عدم المداورة في وزارة المال يقابله عدم مداورة في وزارة الطاقة، ومن بعدها على اللبنانيين أن يدركوا أنّه في لبنان البعض قادر على تعطيل حتى معجزات السماء!