IMLebanon

الحريري و«حزب الله» يدعمان المساعي الحكومية

 

عن دعوة الراعي وانعكاسات تعثر المبادرة الفرنسية

 

 

أزمة اقتصادية واجتماعية متعددة الاوجه يعززها الجمود السياسي في ظل عدم مبالاة من اركان الحكم للإنهيار الحاصل وخاصة ماليا. هذا هو حال البلد الذي ينزف شبابه والادمغة وسط تأقلم اللبناني مع واقعه وهو حاله خلال الازمات المتتالية التي أحاقت به خلال السنوات الماضية.

 

لن يعرف البلد حكومة في المدى المنظور برغم مرور نحو سبعة أشهر على خروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمبادرته التي يعمل عليها البطريرك الماروني بشارة الراعي من دون خرق، وهو ما فتح الباب امام استنجاد الكنيسة بالخارج لإنقاذ لبنان.

 

للراعي ولمؤيديه وجهة نظرهم في مبادرته التي يكبر التأييد لها. ففي ظل النزيف الحالي ترى بكركي أن عليها الدور الاكبر للخروج من النفق المظلم كونها المؤسسة للكيان اللبناني، أو أقله كونها تعتبر ذلك، فجاءت الدعوة الى مؤتمر دولي في وجه تعدد الوصايات الخارجية على حساب الدولة اللبنانية كما المصلحة الوطنية، لذا فلا يمكن للبنان ان يكمل مساره المنحدر على هذا المنوال وكل ما يأتي اليوم حتى من الخارج سيكون افضل من المسار الحالي.

 

تأتي هذه الدعوة لكي تثير الجدل بعد دعوة اولى الى الحياد جلبت السجالات الى البلاد قبل ان تهدأ. لكن الراعي الذي يكمل في مسار مطالباته للحل، يرى ان لا مناص من حياد لبنان ويعتبر مؤيدون له ان هذا الوطن يجب ان يرتبط بالمجتمع الدولي لحفظ إرثه الذي يذوب تدريجيا.

 

هي ليست دعوة الى الوصاية التي لا يطلبها الراعي بل البعض الآخر في لبنان ويدفع «محور الممانعة» البلاد إليها. وهي بذلك ليست دعوة استفزازية كما تريدها بكركي في حفلها الجماهيري اليوم الذي لن يكون رفضيا للآخر، حتى ان البعض يحلو له ربط سياسة بكركي بانتفاضة 17 تشرين التي يجب على ما يأتي بعدها ان يكون مغايرا لما جاء قبلها.

 

في مقابل وجهة النظر هذه تبرز لا حماسة لدى أفرقاء كثر في البلاد لتدويل المشهد اللبناني. ففي الجانب المسيحي نفسه يقف العهد و«التيار الوطني الحر» وهما لم يستشارا في حدث اليوم، للتشكيك في جدوى التدويل من دون وصمه، أقله علنا، بسوء النية. ومع العهد وبرغم خصومته له يقف «تيار المردة» على مسافة من هذا الموضوع الذي حصل على تأييد طرفين كبيرين في المعادلة المسيحية هما «القوات اللبنانية» و»الكتائب» ومعهما تيارات وشخصيات مسيحية ومن طوائف متعددة.

 

أما وجهة نظر المنتقدين لدعوات الكنيسة، وهم في صلب المعادلة المسيحية، فتقوم على أسئلة من نوع: الى أين ستؤدي هذه الدعوات؟ وهل سيدفع المسيحيون الثمن من جديد كما حصل في سوابق عديدة في التاريخ الحديث استنجدوا خلالها بوعود خارجية؟ ثم ما هي حقيقة الورقة التي يستند إليها حدث اليوم ولما اقتصرت على البعض من دون غيرهم؟ وهي أسئلة تأتي من قبل بيئة مسيحية تشير الى حرصها على انجاح مطلب بكركي وخشية من فشله مسعاها حرصا على الكنيسة نفسها.

 

لعل دعوات بكركي التي عُرفت بدورها الجامع مسيحيا حتى لحظة غير بعيدة، ستخضع كما غيرها من القضايا في البلد الى الاصطفاف السياسية القائمة. لكن حتى ضمن المخاصمين للمحور الآخر، ليس ثمة حماسة للدعوة الغامضة الى مؤتمر دولي قد لا يصدق فيه الخارج مع اللبنانيين وسط التوترات في المنطقة التي تتحضر لإعادة تموضع.

 

في العلن أيضا، لا حماسة لدى شرائح سنية واسعة للأمر ومثلها أكثر لدى تلك الدرزية ناهيك عن الصف الشيعي الذي يعارض بغالبيته الساحقة التدويل.

 

الكنيسة ترفض الوصاية

 

يدافع المتحمسون للتدويل عن فكرتهم كونها لا تمثل وصاية على لبنان، كما انها ليست المرة الاولى التي يدوّل فيها الشأن اللبناني في المراحل الاخيرة وليس ادل على ذلك اكثر من اتفاقي الطائف والدوحة وهما أتيا بغطاء اقليمي ودولي. هذا اذا افترضنا نفي التدويل الدائم للملف اللبناني في معظم مراحله التاريخية.

 

تصبح هنا الدعوة اكثر وضوحا وغير آبهة في ما اذا كانت الظروف اليوم مختلفة عن توترات أهلية ماضية. حتى ان بعض المتحمسين يذهب الى الدعوة الى الافادة من فك اشتباك مرتقب في المنطقة والعالم سيكون من مصلحة الجميع ومن بينهم «حزب الله» للتوصل الى الاستقرار فيها، مع وصول الادارة الاميركية الجديدة وتعزيز مبشر بالدور الاوروبي.

 

واذا كان الغرب غالبا ما اشترط رغبة لبنانية جديّة بطلب المساعدة، فهذه الدعوة تتخذ رمزيتها مع دعوة داخلية تأتي من بكركي وهي التي تخشى الخطر على النموذج اللبناني وتغيير وجه البلد.

 

وهنا يشير كثيرون الى ان نداء الراعي الذي سيوجهه اليوم لن يكون هجوميا ضد «حزب الله» أو حتى سياسيا بالمعنى الاستهدافي للآخر، بل دعوة الى التضامن للخروج من النفق الحالي على اساس التعايش في الوطن الواحد من دون تهديد لأحد. والحزب الذي لم يستهدف الراعي بالإسم ويعمل معه من دون ضجيج على خط تحسين العلاقة، سيعارض حكما أي دعوة الى حل خارج «الإطار اللبناني». لكن لديه أسئلته في سبيل شرح أكبر لما يراد من دعوة المؤتمر الدولي وتحديد لأهدافها، إضافة الى رغبته بنقاش الراعي حول مفهومه للحياد وعلاقة هذا المفهوم بالثوابت في الصراع مع إسرائيل والخطر على لبنان من قبل التكفيريين وقضايا أخرى مثل مسألة اللاجئين السوريين وقضية اللاجئين الفلسطينيين.. وغيرها من القضايا.

 

من ناحية الكنيسة فهي لا تشمل بمفهومها  للحياد الصراع مع إسرائيل، بل عدم ادخال لبنان في صراعات اقليمية لا مصلحة له بها وهو ما يجب التشديد عليه مع الحزب في حوار صريح يُعمل عليه في هذه الفترة.

 

وبغض النظر عن صعوبة توقع النجاح لهذا المؤتمر الدولي الذي لم تخرج الأصوات الدولية المأمولة من قبل بكركي لتؤيده، فإن ما دفع الراعي الى الدعوة إليه كان تعثر المبادرة الفرنسية في الرمال اللبنانية المتحركة لكن من دون ان تلفظ أنفاسها.

 

يتحرك الراعي نفسه على هذا الخط ومعه المدير العام للأمن العام بدعم من «حزب الله» ومن الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يحضر لجولة عربية قد تشمل أولا العراق والكويت ومعها جولة أخرى أوروبية يردد البعض اسم المملكة المتحدة كإحدى محطاتها، متسلحا بأصداء ايجابية جراء جولته السابقة وخاصة على الصعيد الخليجي. لكن يجب التسجيل أنه من دون خرق حقيقي في الجمود الحكومي، ستستمر الدعوات بقوة الى تدخل دولي ومعها التجاذبات حولها وما تحمله من أذى على الاستقرار الداخلي.