مصدر دبلوماسي بارز: أزمة تشكيل الحكومة لم تعد محلية بل أصبحت خارجية
لم تكن الأخبار والمعلومات التي روّجت مباشرة أو مداورة في أعقاب المبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتأليف حكومة مهمة إنقاذية من اخصائيين قبل أشهر، باستحالة تأليف الحكومة الجديدة قبل البت بمصير الصفقة المرتقبة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الملف النووي، تصدر هكذا من هباء أو بلا مبرر، بل أظهرت الوقائع المتتالية وتطورات عملية التأليف، منذ تكليف السفير مصطفى أديب الذي وُوجه بمطالب تعجيزية من «حزب الله»، ما استوجب اعتذاره عن التأليف ومغادرته إلى موقع عمله الأساسي، وبعدها تمّ تكليف الرئيس سعد الحريري بمهمة التأليف من بعده، تولى رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي هذه المرة مهمة تعطيل تشكيل الحكومة ظاهرياً، ولكن ما كان يتردد بأن هناك لعبة أدوار مكشوفة بين الحليفين، لتقطيع الوقت الفاصل بعرقلة تأليف الحكومة الجديدة تحت عناوين مفبركة ومطالب تعجيزية، تارة تتلطى بستار الصلاحيات الدستورية للرئيس وتارة أخرى بحقوق المسيحيين وما شابه، وفي النتيجة، أصبحت واقعاً ملموساً، وباتت لعبة تقطيع الوقت والدوران في حلقة الأزمة الحكومية امراً واقعاً، برغم كل المناشدات الداخلية والخارجية لوضع حدّ لها ووقف لعبة استنزاف الوقت بلا جدوى، وتسريع الخطى لتأليف حكومة توقف الانهيار المتسارع بلا كوابح.
ولذلك، لم يكن مستغرباً ان تفشل كل مساعي التوسط لحل أزمة التأليف، محلياً وخارجياً، وتجهض كل مناشدات البطريرك الماروني بشارة الراعي للقيمين على البت بقرار التأليف وفي مقدمتهم الرئيس ميشال عون في دفع ملف التشكيل ولو خطوة واحدة إلى الامام بينما لم تفلح صرخات الفقراء والمحتاجين والمصروفين من أعمالهم في تريك الحد الأدنى من ضمائر هؤلاء، بل على عكس ذلك تماماً، زادت الأمور تعقيداً أكثر من السابق، وباتت الشروط والمطالب التعجيزية تكبّل عملية التأليف من ألفها إلى يائها، إلى ان وصلنا إلى مرحلة بدء التفاوض الجدي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران والحكومة اللبنانية رهينة النتائج المتوخاة منه، سلباً ليس لصالح لبنان وايجاباً لمصلحة إيران، ولبنان خاسر في كلتا الحالتين ومصيره معلق حتى اشعار آخر، فيما الادوات السياسية التي تغطي هذا الارتهان، منشغلة باللهاث على السلطة أو الاستئثار بقرار وموقع ومقدرات لبنان لصالح الآخرين.
لا يُخفي مصدر دبلوماسي بارز القول ان ملف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة لم يعد محلياً، بعد ان فشلت معظم القوى السياسية في مقاربة هذا الملف والتوصل إلى تفاهم بخصوصه، لارتباط أطراف مؤثرين فيه بمصالح دول إقليمية كحزب الله الذي يعلن ذلك بصراحة، فيما يتلطى حليفه «التيار الوطني الحر» وراء هذا الارتباط، لتحقيق مكاسب والاستمرار في مواقع ومكتسبات معينة بأي تشكيلة حكومية مرتقبة مهما كانت النتائج والتبعات السلبية جرّاء ذلك، وهكذا تتلاقى مصالح الحليفين التقليديين برغم كل المواقف والتصريحات المتعارضة حول بعض الملفات والأمور المطروحة. الحزب يكتفي بإبداء الحرص على تأليف الحكومة ويدعو للإسراع بالتأليف ظاهرياً، و«التيار الوطني الحر» يتولى واجهة التعطيل والعرقلة. وهكذا دواليك، تدور عملية تأليف الحكومة الجديدة في حلقة مفرغة وأصبحت بعد أشهر متلازمة مع مسار المفاوضات التي وضعت على السكة بين الولايات المتحدة وإيران عبر التخاطب العلني، استعداداً لمرحلة الانطلاقة الفعلية ولو بعد وقت قصير.
لعبة تقطيع الوقت والدوران في حلقة الأزمة الحكومية باتت أمراً واقعاً رغم المناشدات الداخلية والخارجية
ولذلك، كل ما يقال بأن لا علاقة لملف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، بالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، ليس صحيحاً على الإطلاق، بل هو واقع حالياً ولو لم يكن صحيحاً لكان تمّ تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة منذ أشهر عديدة ولما بقي هذا الملف معلقاً وكل الاتصالات بشأنه بلا جدوى حتى حلول موعد بدء المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي.
ويعترف المصدر بأن مسار المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني، لم ينطلق حسب توقعات وشروط وتمنيات الجانب الإيراني المسبقة، بل زادت عليه شروط وأوراق ضاغطة من مخلفات الإدارة الأميركية السابقة، كإضافة إسرائيل وشركاء خليجيين في ملف التفاوض ومسألة الصواريخ الباليستية والتمدد الإيراني بالمنطقة وغيرها، بات من الصعب اسقاطها أو تجاوزها هكذا بلا ثمن، ما يجعل ملف التفاوض معقداً أو صعباً ويتطلب وقتاً أكثر مما هو متوقع للبت فيه.
واستناداً إلى توقعات المصدر الدبلوماسي فإن الاستمرار في احتجاز ملف تشكيل الحكومة رهينة الملف النووي الإيراني، يعني أن أزمة تشكيل الحكومة العتيدة ستطول أكثر من المتوقع ومعها ستزيد معاناة اللبنانيين جرّاء استمرار أزمة تشكيل الحكومة على حالها، وكلما زادت تعقيدات المفاوضات النووية أو الضغوطات المترافقة معها، إن كان بالعمليات العسكرية من هنا أو هناك، كلما زادت حدة الأزمة بالداخل اللبناني، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على حدٍ سواء، وقد تتطور الأمور نحو الأسوأ، وتتحول إلى خضات قد تُهدّد الاستقرار الأمني إذا لم تفلح الجهود المبذولة لاحتوائها بالإسراع نحو تشكيل الحكومة الجديدة.