طهران ماضية في تصعيد المواجهة مع واشنطن.. وكل الساحات مفتوحة بما فيها اللبنانية
هي المرة الأولى التي يذهب فيها الرئيس المكلف سعد الحريري إلى التصويب على «حزب الله»، بأنه «يناور لإطالة مدة الفراغ الحكومي بانتظار أن تبدأ ايران تفاوضها مع الادارة الاميركية الجديدة، ممسكة باستقرار لبنان كورقة من أوراق هذا التفاوض». في قراءة قريبين من «بيت الوسط» أن الحريري، وخلافاً لبعض من حوله، كان مقتنعاً أن «حزب الله» يريد حكومة وأن العقدة الحقيقية تكمن لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره «رئيس الظل» جبران باسيل اللذين رفعا شرط «الثلث المعطل» واختيار الحقائب والأسماء الخاصة بحصتهم. كان الاقتناع السائد عند كثيرين أن الحزب يتلطى خلف مطالب عون – باسيل لتقطيع الوقت.
حين خرج الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، بدا وكأنه يطرح مخرجاً لحل عقدة الحكومة قوامه لا «ثلث معطلا» تلبية لمطلب الحريري مقابل رفع عدد الوزراء من 18 الى 20 أو 22 لضم ممثل آخر للدروز من خارج عباءة وليد جنبلاط، تلبية لمطلب عون. في واقع الأمر، مسألة «الثلث المعطل» لفريق واحد (الفريق العوني هنا) غير مقبولة في الأساس لدى «الثنائي الشيعي». وقد كشف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف نقل إليه رفض طهران «الثلت المعطل»، ما طرح سؤالاً جوهرياً حينها عما إذا حان الوقت عند «حزب الله» لتأليف الحكومة.
في الكواليس السياسية لـ«المحور الإيراني»، كلام كثير منذ أشهر عدة بأن المشكلة الفعلية هي عند الحريري الذي لن يقبل بتشكيل الحكومة من دون غطاء سعودي. هذا الكلام طفى فجأة إلى السطح خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» في مقابلة مساء الأربعاء: «…لو يُضيء الرئيس سعد الحريري العشرة للسعودية لن تقبل به ولن توافق عليه، سواء كانت حكومته فيها «حزب الله» أو لا، لأنّ المطلوب سعودياً لا يتحمّله لا سعد الحريري ولا غير سعد الحريري، المطلوب مواجهة حزب الله، مَن يستطيع مواجهة حزب الله؟». ولاقته صباح الخميس جريدة «الأخبار» التي تُرصد على أنها صدى للحزب، حيث نقلت ان «الحريري لا يريد تشكيل حكومة قبل نيل رضى السعودية وضوئها الاخضر، وهو ما لا يبدو قريباً، وذلك في معرض كشفها لما أسمته «مبادرة» لعون نقلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى «بيت الوسط» وفيها أنه سيكتفي بتسمية خمسة وزراء إضافة إلى وزير لـ«حزب الطاشناق»، في حكومة من 18 وزيراً على أن يحصل على حقيبة الداخلية، ما معناه أنه تخلى عن «الثلث المعطل»، لكنه اشترط الداخلية.
تأليف أي حكومة لا تتوافر فيها شروط النجاح داخلياً وخارجياً هي وصفة انتحار للرئيس المكلف والبلاد قاطبة
تشير المعلومات إلى أن إبراهيم نقل هذا العرض إلى «بيت الوسط» منذ أسبوعين، لكن الحريري رفض أن تكون حقيبة الداخلية محسوبة على فريق الرئيس، فيما البحث سابقاً كان على أن يشترك الرئيسان في الاختيار. وفق أوساط الحريري، فإن أقصى ما يرضى به الرئيس المكلف هو وزير حيادي في هذه الحقيبة، أما أن تكون من حصة عون، فهذا أمر لن يحصل. لكن المسألة ليست هنا. السؤال الذي سيتقدم على ما عداه يكمن في ما إذا كانت مرحلة الضغط على الحريري قد بدأت من قبل «حزب الله» من أجل تأليف الحكومة بالمواصفات التي يراها هو وليس بالمواصفات التي يعمل من أجلها الرئيس المكلف، والتي تستند إلى المبادرة الفرنسية كتركيبة حكومية وبرنامج هو المدخل الوحيد من أجل نيل ثقة المجتمع الدولي الذي يتوجه نحوه لبنان من أجل مساعدته للخروج من أزمته الاقتصادية – المالية السحيقة.
من منظور الحريري أنه يأتي لترؤس «حكومة مهمة»، ونجاحها يتطلب ترميم العلاقات وخصوصاً العربية، وهو قال في خطاب 14 شباط «أنه ليس هناك مخرج من الازمة بمعزل عن العرب والمجتمع الدولي ومن دون مصالحة عميقة مع الاشقاء العرب والتوقف عن استخدام البلد منصة للهجوم على دول الخليج العربي وتهديد مصالح اللبنانيين». وبالتالي، فإن تأليف أي حكومة لا تتوافر فيها شروط النجاح داخلياً ولا تلقى غطاء عربياً ودولياً ستفاقم من المأزق اللبناني، لأن إمكانات الخروج من الانهيار ستكون معدومة.
ليس هناك من اقتناع بأن شروط النجاح الداخلية والخارجية باتت متوفرة. على العكس، يقر لصيقون بالمحور الإيراني أن «حزب الله» سيعمل على ممارسة الضغط على الحريري، وأن كلام نعيم قاسم يمكن اعتباره «رسالة تذكيرية» لم تصل إلى التلويح بقلب الطاولة. تذهب سرديتهم السياسية إلى أن البلاد أمام معادلة إما الانهيار أو اللجوء إلى المسكنات بما يطيل أمد الحياة إلى حين تبلور المشهد في المنطقة، خصوصاً أن التصعيد الإيراني – الأميركي سيستمر طويلاً، وقد لا يكون بقدرة لبنان الصمود اقتصادياً أو مالياً، ما يطرح ضرورة تأليف حكومة «إدارة أزمة» يمكنها أن تقطع المرحلة الراهنة بأقل الخسائر الممكنة، لكن هؤلاء يعتبرون في الوقت نفسه أن دقة المرحلة وصعوبتها تتطلب وجود شخص الحريري على رأس هذه الحكومة، بعد تجربة حكومة حسان دياب الفاشلة.
المعادلة التي يريدها «حزب الله» شعارها: «الحريري بمواصفاتنا، ورئيس تحت كنف المحور». فهو الأقدر على توفير مظلة الأمن الداخلية لمنع النزاع السني – الشيعي، وهو الأكثر ثقة لدى الخارج والأكثر مقبولية لديهم. يريدون من الحريري الذين يعتبرون أنه هرول إلى الرئاسة، بأن يخفض من مستوى توقعاته للدعم الخليجي، والسعودي تحديداً، وأن يقبل بمساكنة جديدة، مع وعود بأن يتم توفير له بعضاً من الغطاء العربي ومن المال القطري. ببساطة ثمة دعوة للحريري للانتحار السياسي ومعها نحر البلاد.