لا شراكة مع حزب الله ولا حكومة معه وإلا لا مساعدات ولا إنقاذ
يتسقّط المسؤولون الأخبار الوافدة إليهم من مختلف أرجاء عواصم القرار المؤثرة لبنانيا. توجب تلك المتابعة الحثيثة الديناميةُ الناشئةُ من تلاقي الديبلوماسيتين الأميركية والأوروبية على ضرورة إيجاد حلول للتعقيدات الجمّة التي تشلّ الإقليم، تلك التعقيدات التي زادتها حدّة السياسة المصلحية التي إعتمدتها الإدارة الأميركية السابقة.
ربما هي من المرات النادرة، إن لم تكن فريدة، أن تنقض إدارة حاكمة إستراتيجيات وضعتها إدارة أفلت. فتتحوّل، على سبيل المثال، صفقة القرن أضغاث حلم صيفي، مع إعادة واشنطن إحياء حل الدولتين المرفوض اسرائيليا، وتستحيل سياسة عصر إيران فرصة سانحة لطهران كي تعود الى المجتمع الدولي من باب تكريس نفوذ أو واقع.
ينتظر المسؤولون الإسقاطات التي قد تأتيهم من الخارج، فيما النيران تلتهم تباعا أقدامهم، فينشغلون بدفعها عنهم بدل أن ينصرفوا إلى معالجة الأزمات المتناسلة سياسيا وإقتصاديا وماليا وإجتماعيا وأمنيا.
من بين تلك الإنتظارات، زيارة يزمع أن يقوم بها الى المنطقة بين 8 و12 آذار، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر. وفي جدول أعمال لافروف، العلاقات الثنائية والمسائل المتعلقة بمنظمة «أوبيك بلس» وجائحة كوفيد 19 والأزمة في كل من سوريا واليمن وليبيا، الى جانب علاقة العرب بإيران ومسار السلام في الشرق الأوسط.
ملخص ما وصل إلى بيروت مؤخراً: القرار الخارجي قائم بمقاطعة لإيران في لبنان
يغيب لبنان عن أجندة لافروف، لكنه لا بد أن يحظى بمساحة الحد الأدنى، لإرتباط أزمته بمجمل تعقيدات المنطقة.
الظاهر حتى الآن أن التعقيد الحكومي لن يكون له إنصراف ما دام المعنيون على إنكارهم للسبب الحقيقي. والأزمة التي عُنونت سابقا أنها «من عندياتنا» تثبت يوما إثر آخر أنها في مكان مختلف تماما، في الخارج الذي لا يزال يُحرّم على الرئيس المكلف سعد الحريري أي شراكة مع «حزب الله»، حتى لو كانت بالواسطة، من مثل حكومة يطيب للحريري أن يسميها حكومة إختصاصيين غير حزبيين، يدرك هو أنها لن تبصر النور ما لم يكن للحزب تمثيل صريح، من غير أن يسمي صراحة ممثلّيه. وهذا هو الحرام الخارجي بعينه.
اللافت الآتي:
1- يُلمَح حزب الله، للمرة الأولى، الى الفيتو الخارجي الذي يكبّل الرئيس المكلف. يخرج الشيخ نعيم قاسم ليقول صراحة أن الحريري ينتظر الضوء الأخضر من السعودية لتحريك عملية تأليف الحكومة. وهو موقف غير مسبوق، بعدما كرر الحزب مرارا على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله أن العقدة الحكومية لبنانية، وأن أحدا لم يبلغه بوجود فيتو خارجي على مشاركته.
2- يردّ الحريري بتصويب مباشر على الحزب، بما يتنافى مع التواصل المباشر القائم بدأب بينهما، عبر القناة المعروفة. هو تصويب قرأ فيه البعض ممالأة للرياض التي لا تزال الى الآن ترفض مجرّد أن يزورها الإبن الضال، رغم الوساطة الإماراتية والدفع المصري والتمني الفرنسي.
3- تضغط باريس بين الفينة والأخرى. يكثف باتريك دوريل مروحة إتصالاته. يتكشف له مع كل جولة المدى الذي يمكن أن يذهب اليه التذاكي اللبناني، وتنكشف أمامه مناورة تلو أخرى. دوريل اللبناني اليوم أكثر تمرسا في زواريب بيروت، وليس بالتأكيد ما كان عليه في آب 2020، يوم دخل الى الأزمة المعقدة بأفكار فرنسية بسيطة أغرقت إيمانويل ماكرون في مستنقع قذر من الوحول اللبنانية، وجعلته يتخبط يمنة ويسرة حتى بلغ اليأس في نفسه المكان المتقدّم.
واقع الأمر أن لا حكومة ما لم يَسقط أو يُرفع الفيتو الخارجي على الشراكة بين الحريري وحزب الله. ثمة كلام واضح وصل الى بيروت في الأيام الأخيرة، مختصره أن «القرار الخارجي قائم حتى اللحظة بمقاطعة كاملة لإيران في لبنان. وذلك يعني حكما أن على الحريري قطع أي صلة له مباشرة أو غير مباشرة مع الحزب. وكلّما ظهر لنا أن الحريري يتّجه الى تشكيل حكومة مع الحزب، كلّما تصلّب الموقف الدولي: لا مساعدات ولا دعم للبنان. لا بل نحن لا نفهم أو نتفهّم أو نتقبّل تمسك جهات لبنانية بالحريري على رأس الحكومة. ثمة خيارات أخرى، وأزمتكم تفترض بكم البحث في تلك الخيارات. لماذا تريدونه وتتمسكون به؟ ألا تدركون أن عودته الى الحكومة هي عودة الى النقطة صفر؟!.