IMLebanon

«الولادة» الحكومية رهن «الضوء الاخضر» الاميركي ؟

 

باريس أمام «مفترق طرق» وتبحث عن تسوية مرحلية

بعبدا لا تخشى «البلل»… والحريري مُربك والاكثر قلقاً

 

لم تدرك الادارة الفرنسية بعد، او هي أدركت متأخرة، صعوبة «الولوج» الى «عقل» و»قلب» معظم السياسيين اللبنانيين المعنيين بتشكيل الحكومة العتيدة، لان واشنطن لا تزال تحتل تلك «العقول والقلوب»، ووحدها تملك القدرة على اقناعهم بأن الوقت قد حان للخروج من «متاهة» المراوغة غير المجدية، ففي «بيت الوسط» انتظار «ثقيل» لاستراتيجية واشنطن حيال لبنان، بعد فقدان الدعم السعودي، ولا تزال مراسلات السفيرة الاميركية دوروثي شيا مع وزارة الخارجية دون رد، والرئيس المكلف سعد الحريري يخشى التسرّع في تبني خطوة التراجع عن حكومة الـ18 وزيراً قبل حصوله على الضمانات الاميركية المطلوبة حيال نقطتين مركزيتين تتعلقان ببرنامج التسهيلات المالية لحكومته العتيدة، ومسألة مشاركة حزب الله «مواربة» فيها، وعندما يحصل على «الاجوبة» «بيمشي الحال».

 

اما بعبدا «وميرنا الشالوحي» فيحتاجان ايضاً الى كلام اميركي حول «المستقبل» المرتبط برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل «المعاقب» اميركياً، وهما لا يخشيان كثيراً التلويح بالعقوبات الاوروبية كون «الغريق» لا يخشى من «البلل»، ولهذا، وعلى الرغم من كل ما يقال عن انعدام «الثقة» بين عون والحريري، سيعودان الى العمل معاً بمجرد الحصول على «الضمانات» في مرحلة «الفراغ» الدولي والاقليمي المتوقع استمرارها لاشهر بانتظار التسويات الكبرى.

 

ولهذا فان ما يطرحه الفرنسيون الان اتفاق مرحلي يوقف الانهيار ولا يجد الحلول الجذرية له، مع تأجيل كل الاجوبة على الاستحقاقات الاساسية والجوهرية الى «وقتها»، وفي مقدمتها الانتخابات النيابية والرئاسية، التي تتحكم بها ظروف مختلفة، لكل شرط حصولها هو بقاء الدولة المهددة بالانهيار والفوضى التي تقلق الاوروبيين كثيراً ربطاً بمخاطر التدهور الامني وانعكاساته على الجبهة مع «اسرائيل»، وكذلك ملف النزوح السوري ومخاطر انتقال اللاجئين الى اوروبا.

 

ولان واشنطن لا تبدو على استعداد لتقديم اي «ضمانات» لحليف حزب الله، ولا تجد نفسها معنية بانقاذ ما تبقى من ولاية الرئيس ميشال عون، ترى أوساط معنية بالملف، ان فريق العهد يتمسّك بمنع الرئيس المكلف من الامساك بمقاليد الحكومة المقبلة، لادراكه اهميتها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ويُحاول بشتى الوسائل الحصول على «الثلث الضامن» على نحو «مقنع» ومستتر، وسوف تستمرّ «المناورة» في هذا الاطار الى نهاية الخط، وعندما تصل الامور الى ذروتها سيقتنع هذا الفريق بتحقيق «الانتصار» تحت عنوان اجبار الحريري على التخلي عن حكومة الـ 18 وزيراً، وسيكون الثلث الضامن هذه المرة بالشراكة مع حزب الله الذي سبق وتعهد للرئيس عون بان وزراءه سيكونون معه في الملفات الاساسية، اما التهديد الاوروبي بفرض عقوبات على المعطلين، فلا يبدو انه سيدفع الرئيس عون للتراجع عن المعايير التي سبق والزم نفسه بها، لانه ليس من «هواة» الانتحار الذاتي، وتاريخه يشهد ان كل الحلول والتسويات التي لم تكن ترضيه فرضت عليه ولم يقبل بها «صاغرا»، وهو يعرف الان ان من شرب «بحر» العقوبات الاميركية لن «يغص» بـ»ساقية» العقوبات الاوروبية، ولكنه منفتح على أي تسوية لا تمنح الحريري القدرة على السيطرة على القرارات الحكومية، وذلك على الرغم من قناعته بانه ليس «الرجل» المناسب للانقاذ، وسيكون «حجرة عثرة» في طريق تحقيق اي انجاز يعتد به فيما تبقى له من ولايته الرئاسية.

 

في المقابل، يبدو موقف الحريري اكثر صعوبة لانه اخفق حتى الان في انجاز عودته «الميمونة» الى السلطة بانتصار على شركائه السابقين بالفشل، وكان ظنه بان رئيس الجمهورية وفريقه السياسي في موقف ضعف سيجبرهم على تسليمه «دفة الانقاذ» دون شروط، خاطئا، وهو الان يجد نفسه احد المتهمين بعدم الوفاء بالتزاماتهم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ويخشى جدياً ادخاله «نادي» المعاقبين دوليا، وهو كان بمنأى عن خوض غمار مواجهة خاسرة لن تسعفه لاحقاً في السياسية لان واقع البلاد الاقتصادي مرير ولا توجد اي معالم جدية خصوصاً من الاميركيين بالنية في الدخول بقوة على خط الانقاذ الجذري للازمات المتراكمة، وهو يجد نفسه اليوم «اسير» «ضبابية» الموقف الاميركي المتأرجح وغياب الاستعداد الخليجي للتفاهم، ولذلك فهو يفضل «الاعتذار» اذا ما تأكد ان بقاء «التكليف» في «جيبه» سيجلب عليه عقوبات تضر بمصالحه الاقتصادية المتعثرة اصلاً، وهو يخشى تقديم التنازل داخليا دون ضمانات بانجاح حكومته لانه سيكون كمن يطلق «النار» على رأسه هذه المرة، ولهذا فهو ينتظر موقف واشنطن ليبنى على الشيء مقتضاه، وعندما يصل «الضوء الاخضر» سيجد التبريرات «اللفظية» المناسبة لتبرير قبوله التراجع عن حكومة الـ18، وسيسوق لنجاح «واهم» بعدم منح الرئيس «الثلث المعطل»، مع العلم انه يدرك بان وجود حلفاء بعبدا في الحكومة سيمنحهم ما يريدون.

 

وفي هذا السياق، يُروّج الفرنسيون الآن، لفكرة مفادها ان الهدف من تأليف الحكومة هو منع الانفجار وليس أي شيء آخر، ويدعون الاطراف السياسية اللبنانية لوضع كافة الاستحقاقات على «الرف» ريثما تنضج ظروف التسوية الشاملة في المنطقة، وهم يبحثون عن تهدئة مؤقتة داخليا لتسيير شؤون البلاد، لا اكثر ولا اقل، لكنهم برأي أوساط سياسية بارزة، يطرقون «الابواب» الخاطئة، لان هذا «التعايش» المطلوب يحتاج الى ضمانات خارجية عجزت باريس عن تأمينه حتى الان، واذا كانت طهران قد ابلغتها بان حزب الله معني وحده باتخاذ القرارت على الساحة اللبنانية، لم ينجح الرئيس الفرنسي في اقناع السعوديين بتعديل سياساتهم، فيما لا تزال واشنطن «تراوغ» ولا تريد منح الفرنسيين اي «ورقة» رابحة حتى لو كان ذلك في «الوقت الضائع»، ولذلك فان فرنسا التي ابلغت «الروساء الثلاثة» بانها لم تعد معنية بالاستمرار بعملية التفاوض غير المجدية معهم، وهددت بعقوبات لن يسبقها انذارات هذه المرة، تقف اليوم أمام «مفترق طرق» فاما تحصل على تفاهم مرحلي مع الاميركيين يُسهّل التسوية، «فتولد» الحكومة خلال أيام او أسابيع قليلة، او انها ستكون امام تحدي تنفيذ تهديداتها، فاذا لم تفرض العقوبات ستخسر ما تبقى لها من «ماء الوجه»، وتثبت ضعفها، اما اذا خرجت تلك العقوبات الى حيّذ التنفيذ، فان باريس ستخسر ما تبقى لها من «اوراق» على الساحة اللبنانية باستعداء «طبقة» سياسية لها ارتباطات مع الخارج وليست بوارد تفضيل العلاقة مع باريس. وهكذا سيخسر الفرنسيون صفة «الوسيط»…

 

لكن وعلى الرغم من هذه المخاطر، حذر سفير اوروبي في بيروت من مغبة الاستخفاف بانذار وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان واشار الى ان إنذاره ينطوي هذه المرة على خطوات عملية جرى تنسيقها مع نظرائه الأوروبيين، ويتم الان دراسة الوسائل الممكن تبنيها  داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تشمل الدبلوماسية «الخشنة» تجميد أرصدة بعض المسؤولين في المصارف الأوروبية والامتناع عن منحهم سمات دخول إلى دول الاتحاد الاوروبي.

 

ويبقى السؤال: هل سيحصل الفرنسيون على «الضوء الاخضر» الاميركي؟ لا أجوبة واضحة حتى الآن، بحسب مصادر ديبلوماسية، فسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لا تزال تتشكل، ولبنان ليس «بمنأى» عن ذلك، وفي سياسة بايدن الخارجية «أضواء وظلال» على حد سواء، وهذا ما يجعلها «مربكة» وغير واضحة بعد، لكن الثابت حتى الآن وجود ميل لتقليص الوجود الأميركي في المنطقة والتوجه نحو الشرق الأقصى، ولهذا يجري ترتيب الملفات الساخنة وفق الاولويات، واذا كانت العلاقة الاميركية مع «اسرائيل» او السعودية لم تتبلور بعد، في خضم التفاوض على الملف النووي الايراني، فان الساحة اللبنانية ليست ضمن الاولويات، ولهذا يحاول الفرنسيون مع الاميركيين بلورة «هدنة» تحيَد لبنان مرحلياً بانتظار انضاج باقي الملفات.