رئيس الجمهورية يتجاهل أن الحريري أوصله إلى الرئاسة وشكل رافعة للعهد منذ بداياته
بعد الفشل الذريع الذي منيت به رسالته الخرقاء إلى المجلس النيابي، وخسارته المدّوية سياسياً، لم يجد رئيس الجمهورية ميشال عون لتوجيه انتقاداته وسهامه غير المباشرة للرئيس المكلف سعد الحريري سوى الاستعانة بمقولة شهيرة للاديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران يقول فيها: «إننا نشعر بالاسى على انفسنا أحياناً، ليس لأننا أسأنا التصرف، بل لأننا احسّنا التصرف أكثر من اللازم».
هذا القول لا ينطبق على تصرفات وممارسات رئيس الجمهورية وفريقه السياسي طوال سنوات عهده حتى يشعر بالآسى لأنه اساء التصرف، أو لأنه أحسن التصرف أكثر من اللازم. فانتفاضة الشارع، من اوله إلى اخره، ضده وضد الطبقة السياسية عموماً، وانقلاب الأوضاع رأساً على عقب، في البلاد، اقوى دليل على إدانة العهد بسوء التصرف منذ بداياته وحتى الساعة، وتتعارض كلياً بحسن التصرف أكثر من اللازم.
فلا يمكن مقارنة هذا القول الشهير، بممارسات سيئة مشهود لها منذ بداياتها، ولم تأخذ بعين الاعتبار الأخطاء وسوء الممارسة لتصحيح مسارها وخطواتها، بل امعنت في السير قدماً بأخطائها وخطاياها، غير آبهة بما آلت إليه حال البلاد والعباد، وكأن ما تمارسه هو الصواب وكل ما يقوم به خصومها السياسيون هو الخطأ بحد ذاته، كما ورد في مضمون وثنايا الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي وحصد بنتيجتها خلاصة ممارسات عهده الفاشلة، من البداية حتى اليوم.
كان الأجدى برئيس الجمهورية قبل ان يواصل انتقاداته المباشرة أو غير المباشرة للرئيس المكلف سعد الحريري، أو أي خصم من خصومه السياسيين، ان يأخذ بعين الاعتبار حقيقة لا يمكن له ان يتجاهلها أو يقفز فوقها مهما استعان بمواقف واقاويل لكبار مروا بتاريخ لبنان وهي ان الرئيس المكلف هو الذي حقق له حلمه التاريخي بتولي رئاسة الجمهورية أولاً وأخيراً، بفعل التسوية السياسية التي أعقبت فراغاً في سدة الرئاسة الأولى لأكثر من سنتين، بينما وللتذكير أيضاً فقد خاض عون ثلاثة حروب متتالية للوصول إلى رئاسة الجمهورية وتسبب بتدمير القصر الجمهوري بالقصف السوري ولكنه لم يستطيع ان يصل إلى رئاسة الجمهورية، في حين ان الحريري تبوأ رئاسة الحكومة قبل ان يكون عون رئيساً للجمهورية كما هو معلوم للجميع.
ليس هذا فقط، بل تشهد الانتخابات النيابية السابقة انه لولا موافقة الرئيس المكلف على إقرار قانون الانتخابات المعمول به ودعمه العلني لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والطلب إلى مؤيديه انتخابه لكان من الصعوبة ان يفوز بالمقعد النيابي في دائرته بعد ان فشل لمرتين متتاليتين سابقاً برغم كل مفاعيل وعوامل الدعم من حلفاء الممانعة يومذاك.
وفي مقابل مواقف الرئيس المكلف هذه تجاه عون وباسيل منذ انتخاب الأوّل رئيساً للجمهورية وتأليف أوّل حكومة برئاسة الحريري، بدأت المضايقات والعراقيل المنظمة والمنسقة لاعاقة انطلاقة الحكومة، تارة من خلال استغلال إعادة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد برغم اصداره مذكرات توقيف ضد الحريري ومساعديه تحت ذرائع تهم شهود الزور المزيفة أو بإثارة موضوع النازحين السوريين والادعاء بالعمل على اعادتهم إلى سوريا ولكن حتى الساعة لم يتمكن العهد من إعادة هؤلاء أو اقفال الملف كما كان يدعي تهويلاً، برغم علاقاته المميزة مع النظام السوري وسلسلة طويلة عريضة من العراقيل المفتعلة لعدم انتظام مسار الدولة وكان آخرها الادعاء زوراً بأن حكومة الحريري ليست الحكومة الأولى للعهد في محاولة مكشوفة لابتزاز رئيسها في ملفات وقضايا مطروحة على مجلس الوزراء.
منذ تولي ميشال عون منصب الرئاسة، كان النّاس بالداخل والدول الشقيقة والصديقة تعتبر وجود الحريري في سدة رئاسة الحكومة بأنه يُشكّل عامل ثقة ورافعة للعهد وللدولة كلها، لأن الثقة بالتيار الوطني الحر، رئيساً وأعضاء، كانت معدومة بالاساس جرّاء سلسلة من الممارسات والأداء السياسي الفاشل في الحقل العام أو ممارسة السلطة أيضاً.
بعد الانتفاضة الشعبية في تشرين الأوّل 2019 واستقالة حكومة الحريري الثانية، جرّب رئيس الجمهورية وفريقه السياسي تشكيل حكومة من لون واحد، اختاروا رئيسها واعضائها بعيداً عن الميثاقية المزعومة لباسيل وتفتقد إلى حدّ أدنى من المعايير المستحدثة في قاموسه الجديد، ومقولبة على قياس محاصصته وطموحاته، ولم تستطع التقليع أو ممارسة السلطة أو إدارة البلاد ومنيت بفشل ذريع على قياس ممارسات العهد وتياره.
الآن يُشكّل قبول الرئيس المكلف سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة بوجود ميشال عون بسدة الرئاسة وصهره جبران باسيل إلى يمينه، أكبر تضحية ممكن ان يقبل بها سياسي مخضرم، وبدلاً من ان يقدما له كل التسهيلات والمساعدة الممكنة، يواجه بكمّ هائل من العراقيل والمطبات والتعطيل، لابتزازه في التشكيلة الوزارية المرتقبة لصالحهم وعلى حساب المصلحة العامة.
فلا خيار امام عهد الرئيس ميشال عون لإنقاذ ما تبقى من عهده المتهالك، الا تسريع الخطى وتجاوز العقبات لتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، وهو يعرف ذلك تمام المعرفة، لأن مصير أي حكومة أخرى الفشل المحتوم كما حصل مع الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب. ولذلك، يجب ان يضع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل كل الوقائع الآنفة الذكر، قبل الادعاء بأنهما احسنا التصرف أكثر من اللزوم، لأن هذه الوقائع منذ انتخاب عون رئيساً وحتى اليوم، تكذّب هذه الادعاءات وتدحض كل عبارات التمنين المزيفة.