في حين لم تكتمل ملامحُ الصيغة الحكومية الأخيرة التي يبدو أنها ستخرج من رحم المفاوضات في الشهر الخامس، يظهر أنّ المحسوم من صفات الحكومة العتيدة هو صيغة الثلاث عشرات و»اللامداورة» في الحقائب السيادية التي حُسمت منذ أيام التكليف الأولى… وعدم تمثيل السُنّة المعارضين للحريري أو من خارج تيّاره. في أيار 2018 فاز في الانتخابات النيابية 10 نواب من الطائفة السُنّية من خارج تيار «المستقبل» للمرة الأولى منذ عام 2005.
وفيما فضّل الرئيس نجيب ميقاتي والنواب فؤاد مخزومي وأسامة سعد وبلال عبدالله عدم الانتماء إلى تكتّل سنّي في مواجهة كتلة «المستقبل»، ألّف النواب السُنّة الستة: فيصل كرامي، جهاد الصمد، عبد الرحيم مراد، عدنان طرابلسي، الوليد سكرية وقاسم هاشم، «لقاء النواب السنّة المستقلين».
النواب الـ6 يعارضون الحريري وينتمون إلى «خطّ الممانعة» أو قوى الثامن من آذار، وعلى رغم أنّ كرامي والصمد ينتميان إلى «التكتل الوطني» الذي يجمع تيار «المردة» وحلفاءه، ويُمثِّل طرابلسي «الأحباش»، وينتمي سكرية إلى كتلة «الوفاء للمقاومة» وهاشم إلى كتلة «التنمية والتحرير»، يُطالب اللقاء منذ تكليف الحريري بتمثيل أعضائه في الحكومة على أساس أنهم يمثلون جزءاً وازناً من الطائفة السنّية وأنّ على الحريري أن لا يحتكر تمثيلها بمفرده.
وفي حين، عوّل هؤلاءُ النواب على حلفائهم السياسيّين للضغط في هذا الاتّجاه، لم يكن هذا البندُ من ضمن أولويات هؤلاء الحلفاء الذين انشغلوا في هذه المرحلة بفكفكة عراقيلَ ومطبّاتٍ أَولى راهناً، إضافةً إلى أنّ من غير المنطقي أن يُدخل «حزب الله» العُقد إلى عقر دار الحريري، وهو كان بادر الى تسهيل مهمّته في تأليف الحكومة.
تدرّجت مواقفُ النواب السنّة الستة من المشاركة في الحكومة، إلّا أنّ المطالبة بالتمثيل ما زالت مستمرة، واعتبروا أمس أنّ «استبعادَهم من التشكيلة الوزارية هو فرضٌ للأحادية، في ظلّ إصرار الحريري على احتكار التمثيل السنّي، وهو ما يخالف نتائجَ الانتخابات النيابية وما أجمعت عليه جميع القوى السياسية من ضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية يتمثّل فيها الجميع».
ومن دارة مراد كان الاستهدافُ مباشراً للحريري، والتصويب غير مباشر على الحلفاء. فبعد اجتماعه أصدر «لقاءُ النواب السنّة المستقلين» بياناً، رأى فيه أنّ «أيَّ حكومة تتشكّل في ظلّ الاستفراد في تمثيل الطائفة السنّية الكريمة، هي حكومةٌ بتراء ينقصها الإجماع الوطني». واعتبر أنّ أيَّ استبعادٍ لتمثيله «هو محاولةٌ فظّة لفرض أحاديةٍ تحمل مخاطر على مستقبل الوطن وتمنع احترامَ التعدّدية في أيِّ مكوّنٍ وطني»، واضعاً هذا الأمر «برسم كلّ القوى السياسية، وفي طليعتها الحلفاء قبل الآخرين».
ورداً على الاتّهام بـ«الاحتكار والأحادية»، قالت مصادر تيار «المستقبل» لـ»الجمهورية»: إنّ خلاف الحريري مع هؤلاء النواب السنّة الستة، هو سياسي، لا طائفي – سنّي، وإن كانوا يبحثون عن تمثيل طائفي فليتوجّهوا إلى «المجالس الملّية» وليس إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء».
وسألت المصادر: «كيف يُمكن أن يكون هؤلاء النواب معارضين للحريري بنحوٍ تام سياسياً ويؤيّدون خطاً مضاداً لخط تيار «المستقبل» ويطلبون أن يتمثلوا في حكومة الحريري وأن يتنازل عن حصته ليتمثلوا هم؟»، مشيرةً إلى «أنّ بعضهم ينتمي إلى كتل أخرى، وهذه الكتل مُمثَّلة في الحكومة، وبالتالي هم مُمثَّلون في الحكومة على أساس الكتل النيابية المُكوِّنة للمجلس».
تشكيلة الحريري الوزارية، المُتوقَّع أن يُسلِّمَها إلى عون قريباً مُتمخّضة من مشاورات ومفاوضات كثيرة أجراها الحريري مع جميع الأطراف، فالحريري لن يُقدّم تشكيلةً لا تُرضي القوى التي يريدها أن تكون موجودة في حكومته، وفي الوقت نفسه لا يريد تقديمَ تشكيلة يرفضها عون، وبالتالي وازَن بين الأمرَين لترضي صيغتُه الحكومية الجميع وتجمعهم معاً تحت سقف السراي.
كذلك، حرص الحريري على أن لا يحوز أيُّ طرف مفتاحَ تعطيل مجلس الوزراء من الداخل، ويسعى لأن تكون حكومته منتجة وبمقدار توقعات اللبنانيين وآمالهم، على ما تقول مصادر «المستقبل»، «فلماذا سيُشرِّع باب الحكومة لمُعارضين جُدد له في مجلس الوزراء؟ وطالما أنهم معارضون، فليبقوا خارج الحكومة وليعارضوا ويحتجّوا».
بين المعلومات المُتضارِبة والإشاعات حول جنس المولود الحكومي الجديد، الثاني لرئيسَي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة المُكلّف سعد الحريري، يُؤمل أن لا يكون هذا المولود بين «التشرينين» عارياً من مقوّمات النجاة والاستمرار.