يتعامل الرئيس سعد الحريري مع نفسه كأنه واحد من المتظاهرين. يتماهى معهم لدرجة اعتقاده أن أهدافه هي أهدافهم. ولذلك، قدم لهم الخصخصة كإنجاز، مفترضاً أنهم سيفرحون لأنه قرر بيع ممتلكاتهم!
بشّر الرئيس سعد الحريري المتظاهرين «المرابطين» في الشارع منذ أربعة أيام، رفضاً للحكومة وإجراءاتها التي أفقرت البلد وأفقرتهم، ببيع شركتي الخلوي، إضافة إلى مؤسسات عديدة أخرى. ربما ظن أن في ذلك حلاً سحرياً لإخراج الناس من الشارع. قال لهم ما معناه: «افرحوا، إن كان لديكم مؤسسات عامة «رابحة»، فلن يبقى لديكم شيء».
من شارك في التظاهرات قد يكون سمع آلاف المطالب والشعارات، لكنه حكماً لم يسمع أن الخصخصة من بينها. من يرد أن يعرف مصدر هذه الفكرة «الإبداعية»، أو بشكل أدق، أحدث مصادرها، فلن يجد سوى «الورقة الإنقاذية» التي قدّمها مكتب رئيس الحكومة إلى لجنة الاصلاحات. وهو ما لا يخفيه الحريري بأي حال، فهو بنفسه أعلن أن ما تحقق في مجلس الوزراء ليس مطالب الشعب بل مطالبه هو. وهذه مطالب قديمة، بنيت عليها آمال عريضة في بداية الألفية. ولو تحققت عندها، على ما كان يهدف الرئيس الراحل رفيق الحريري، لكان لبنان اليوم بلا مؤسسات رابحة، أدّرت عليه ما متوسطه مليار دولار سنوياً، ولكان ابنه سعد الحريري قد خسر ورقة يعتقد أنها ورقته الرابحة. بعد سنوات قليلة من اليوم، قد يتكرر المشهد: إذا باع الحريري الابن الخلوي اليوم، فستذهب أمواله سريعاً لتغطية فوائد الدين. وبعد سنوات، ستقف الحكومة عارية عند أي أزمة مالية تواجهها لاحقاً. وقد يكون الحريري على رأسها.
اقتراح الحريري، الذي حصل على موافقة مجلس الوزراء، ينص على اشراك القطاع الخاص وتحرير المؤسسات والمرافق العامة ذات الطابع التجاري:
أ – الموافقة على البدء بعملية اشراك القطاع الخاص في شركتي الخليوي وتكليف المجلس الاعلى للخصخصة والشراكة تعيين استشاري مالي وتقني وقانوني للبدء باجراءات تحضير دفاتر الشروط واجراء التلزيمات اللازمة ورفع الامر الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب.
ب- المباشرة بالدراسات اللازمة، ووفقاً للأصول والقوانين المرعية الاجراء، باشراك القطاع الخاص في الشركات والمؤسسات التالية: بورصة بيروت، شركة طيران الشرق الاوسط، شركة الشرق الاوسط لخدمة المطارات، مؤسسة ضمان الودائع، شركة سوديتيل، كازينو لبنان، شركة انترا، إدارة مرفأ بيروت، ادارة حصر التبغ والتنباك، ومنشآت النفط. على ان ترفع الاقتراحات بهذا الخصوص من قبل الوزراء المعنيين تباعاً وبمهلة اقصاها 30/12/2019.
مع نهاية السنة، سيكون لبنان، على ما يأمل رئيس مجلس الوزراء، قد وضع قطاعاته المنتجة على سكة البيع كلياً أو جزئياً، وأهمها قطاع الخلوي وطيران الشرق الأوسط. لكن هل الحصول على الأموال النقدية هي غاية الخصخصة؟ حتى عتاة الليبراليين الكارهين للدولة، يتعاملون مع هذا الهدف كواحد من كل. أولويتهم جعل المؤسّسات والشركات المملوكة من الدولة أكثر فعالية وقدرة على تقديم خدمات عالية الجودة «فشلت الإدارة الحكومية في تأمينها». أما بالنسبة للمردود المادي، فيفترضون وجود ظروف موضوعية له تسمح بالحصول على السعر الأفضل، فهل الظروف اللبنانية تسمح بذلك؟ يجزم أحد أبرز المنظرين للخصخصة في لبنان أن الوضع الحالي يشبه وضع شاب مديون ومتعثر عن سداد ديونه إلى المصرف، ويريد أن يبيع سيارته في سوق يعرف أهلها بوضعه. ماذا ستكون النتيجة؟ حكماً لن يجد من يشتري سيارته بالسعر الذي يريده وحكماً ستُعرض عليه أبخس الأثمان.
الحكومة تنقل احتكار الخلوي من القطاع العام إلى القطاع الخاص!
هذه حال لبنان، يريد أن يبيع ممتلكاته في سوق يعرف جميع من فيه أنه مديون واقتصاده متهالك. ماذا ستكون النتيجة؟ لا شك أن هذه الممتلكات ستباع بالرخص.
وبعيداً عن الجدوى ثمة سؤال آخر يسأله أحد من عملوا سابقاً على مشاريع الخصخصة. كيف يمن خصخصة قطاع الخلوي قبل تحريره؟ أو بشكل آخر إذا لم يتم تحرير القطاع قبل خصخصته فإن النتيجة الوحيدة التي ستنتج عندها ستكون الانتقال من احتكار القطاع العام إلى احتكار القطاع الخاص. هل هذا هو المطلوب؟ يضيف المصدر: «تحرير القطاع يؤدي عملياً إلى خلق منافسة حقيقية تؤدي إلى تحريك السوق والاقتصاد، من خلال التنافس على تقديم الخدمة الأفضل والسعر الأفضل».
في المقابل، يذهب مصدر آخر مطلع على مشاريع الخصخصة، إلى سؤال أخطر: هل تتعمد الحكومة بيع القطاعات المنتجة في ظروف الانهيار تحديداً؟ يقول باختصار إن أصحاب القرار هم أنفسهم أصحاب المصالح الساعين إلى الانقضاض على ممتلكات الدولة بأبخس الاسعار، وهؤلاء دفاتر شيكاتهم جاهزة.