IMLebanon

الحريري يرتكب الخيانة العظمى: انتخاب رئيس!

ضُبط الرئيس سعد الحريري بالجرم المشهود: أطلق مبادرة (لم يطلقها رسمياً بعد) لانتخاب رئيس للجمهورية بعد عام ونصف العام من الشغور والتعطيل الذي شمل مجلس النواب والحكومة: صار لبنان جسداً بلا رأس (كما كان يقول معارضو المبادرة اليوم). رفض بعضهم التشريع في المجلس النيابي بحجة عدم انتخاب رئيس، بينما رفضه بعضهم الآخر قبل إقرار قانون الانتخاب فأضيف تعطيل إلى التعطيل بعد أن رفض بعضهم الثالث المشاركة في اجتماعات الحكومة قبل تعيين قائد جديد للجيش. صار التعطيل هدفاً مشتركاً لدى بعض الكتل النيابية في ضفّتي 14 و8 آذار، إلى أن أصبح لبنان مهددّاً بأن يصير «جزر قمر» ثانية كما قال رئيس جمعية المصارف (الماروني) الدكتور جوزف طربيه، لو لم يفتح المجلس أبوابه لإقرار القوانين المالية لمكافحة الإرهاب، فيما تحولّت بيروت ومعها جزء واسع من ساحل جبل لبنان أكثر المدن تلوثاً في العالم بعد أن عجزت الحكومة حتى عن جمع النفايات.

بعد ساعات من نبأ اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري مع النائب سليمان فرنجية في باريس، سارع المعطّلون الدائمون، ومعهم المعطّلون الجدد، إلى محاولة تعطيل ما سُمي «مبادرة» قبل أن يطلقها صاحبها وقبل أن يشرحها للحلفاء ولجمهوره، أو لكتلته النيابية على الأقل؛ بذلوا جهوداً جبّارة لتعطيلها مع أن تلك الجهود كانت كافية لانتخاب رئيس لو أنها وُظّفت في هذا الاتجاه.. حتى إذا شعروا بأن لهذه «المبادرة» فرصاً للنجاح ذهبوا إلى استخدام السلاح الثقيل: التحريض الطائفي.

«كيف لمسلم، أو لغير مسيحي، أن يرشّح رئيساً للجمهورية؟»، قال أحد هؤلاء المعارضين، متناسياً أن الرئيس الحريري سبق أن دعم ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع للرئاسة وكتلته النيابية صوّتت له ولم يعترض أحد على ذلك، كما أن الحريري سبق أن دعا المسيحيين، على الهواء، للتوافق على رئيس من دون جدوى (مع العلم أن الدستور لا يحصر هذه الصلاحية بالمسيحيين وحدهم)، كما دعا النائب ميشال عون إلى التحاور مع جعجع والتوافق معه على أي منهما أو على ثالث ومن دون نتيجة أيضاً. كما فات معارض «المبادرة« المشار إليه أن «حزب الله» رشّح النائب عون مراراً وتكراراً لهذا الموقع ولم يعترض أحد على ذلك، ما يعني ان الاعتراض اليوم على فكرة ترشيح زعيم مسلم لرئيس مسيحي لا يفسَّر سوى محاولة لتعطيل هذا الانتخاب لأنه يحمل فرصة جديّة هذه المرّة.

«كيف للحريري أن يدعم مرشحّاً من 8 آذار لرئاسة الجمهورية؟«، قال معارضٌ ثانٍ، متناسياً هو الآخر أن رئيس تيار «المستقبل» سبق أن دعا إلى رئيس توافقي مراراً وتكراراً، هو وكتلته النيابية، وعبر الإعلام أيضاً ومن دون جدوى، بعد أن كان جَهد بعد حصر الأقطاب «الأقوياء» الأربعة حق الترشح بأنفسهم إلى دعم الدكتور جعجع فلم ينَلْ إلا 48 صوتاً لا توفر له الأكثرية المطلوبة، وكذلك لم يستطع الرئيس أمين الجميل توفير هذه الأكثرية، وأيضاً النائب عون الذي دعاه الحريري للتوافق مع جعجع فاتفق الاثنان على أمور كثيرة (إعلان النيات) إلا رئاسة الجمهورية التي لم يفتحا ملفها حتى اليوم. وبذلك لم يبقَ من الأربعة المشار إليهم إلا النائب فرنجية.

ولم يكن من معارض ثالث لهذه «المبادرة» إلا العودة إلى مطلب «تغيير النظام»، أو الدعوة إلى «نظام فيدرالي»، متجاهلاً أن مطلب تغيير النظام يتطابق مع مطلب «حزب الله»، وأن هذا المطلب أو الدعوة إلى نظام «فيدرالي» يؤكد صحة خيار مبادرة الحريري المنطلقة في أساسها من الحرص على الحفاظ على اتفاق الطائف (أي المناصفة بدلاً من المثالثة ونظام انتخابي بعيد من «القانون الأرثوذكسي»).

«مبادرة الحريري عبارة عن صفقة الغاية منها أن يعود رئيساً للحكومة«، قال رابع متناسياً أيضاً أنها ليست المبادرة الأولى التي يطلقها سعد الحريري من أجل مصلحة البلد، ولا الأخيرة، والدليل على ذلك المبادرتان الأخيرتان اللتان أطلقهما خلال العامين المنصرمين: الأولى موافقته على المشاركة مع «حزب الله» في حكومة يرأسها ولا يزال الرئيس تمام سلام (وليس الحريري)، والثانية مبادرته التي أنقذت الجلسة التشريعية الأخيرة ولا رئاسة حكومة فيها ولا من يحزنون.

ومعنى ذلك أن هاجس سعد الحريري الأول والأخير هو عودة الحياة إلى مؤسسات الدولة – وهو شعار 14 آذار – وهو لذلك أطلق مبادرته من أمام المحكمة الدولية من أجل تسهيل مهمة الرئيس المكلّف تمام سلام لتشكيل الحكومة، ومن ثم مبادرة إنقاذ الجلسة التشريعية الأخيرة في مجلس النواب، والآن مبادرة ثالثة من أجل انتخاب رئيس للجمهورية لتعطيل التعطيل. أهذه جريمة ترقى إلى مرتبة الخيانة العظمى أن يسعى سعد الحريري إلى كسر جدار التعطيل من أجل انتخاب رئيس لتعود الحياة إلى المؤسسات الدستورية؟ أم أن الجريمة هي في ترشيح «حزب الله» للنائب عون وتمسّكه بهذا الترشيح رغم عدم نيله الأكثرية المطلوبة، وعدم قبوله البحث في أي مرشح آخر على مدى عام ونصف العام، ومن ثم رفض الآخرين (أو المعطّلين الجدد) «مبادرة» الحريري من دون تقديم أي بديل إلا التعطيل؟