كتبت الهام سعيد فريحه :
فيما كان الجميع يضرب أخماسَ الإنتخابات البلدية بأسداسِها، ضرب وزير الداخلية ضربته، تطبيقاً للدستور، وترك لهم التحليل والإجتهاد في ما إذا كانت ستجري هذه الإنتخابات أم لا.
ووفقاً للقوانين المرعية الإجراء، أصدر الوزير نهاد المشنوق، بما عُرِفَ عنه من جرأة ووطنية، قرار دعوة الهيئات الناخبة إلى الإنتخابات البلدية والإختيارية وفق عملية ديمقراطية محددة المواعيد على النحو التالي:
الأول في 8 أيار المقبل لمحافظات بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل.
والثاني في 15 أيار لجبل لبنان.
والثالث في 22 أيار لمحافظتي لبنان الجنوبي والنبطية.
والرابع في 29 أيار لمحافظتي لبنان الشمالي وعكار.
للمفارقة، فإنَّ القرارين الأخيرين اتُخِذا في الأول من نيسان لكنهما ليسا كذبة على الإطلاق، فالقراران الأولان اتخذهما الوزير المشنوق في 26 آذار وأرفقهما بالتعليق المقتضب التالي:
وعدت والتزمت، الإنتخابات البلدية والإختيارية في زمانها ومكانها.
هكذا، وبضربة معلِّم، شهرَ الوزير المشنوق سيف اللاءاتِ في وجه المتخاذلين:
لا تواطؤ، لا تباطؤ، لا تأجيل، لا إلغاء، لا تمديد، لا تجديد، أما النَعَم الوحيدة فهي للإصرارُ على إجراء الإنتخابات.
الوزير نهاد المشنوق يعرف المزاج الشعبي العام، وهذا المزاج مع الإنتخابات البلدية والإختيارية، تماماً كما كان في السابق مع الإنتخابات النيابية، لكنه حُرم منها.
أكثر من ذلك فإن المزاج الدولي العام لا يستسيغ عدم إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية، فجميع الموفدين الدوليين الذين يزورون لبنان يشددون في إجتماعاتهم على أنَّ الإنتخابات البلدية ضرورةٌ قصوى لإنماء المناطق وهي باب من أبواب إخراج المجتمع من التخلف إلى التقدم.
إذاً لا مناصَ من الإستحقاق البلدي والإختياري، والمسافة لم تعد بعيدة، فالموعد الأول في 8 أيار، أي بعد شهر تماماً، وهناك شبه إستحالة في تأجيله أو إلغائه، لأنَّ التأجيل أو الإلغاء يتطلب قراراً من مجلس النواب، فمَن يجرؤ على اتخاذ مثل هذا القرار؟
إنَّ الموعد الأول، إذاً، سيكون في بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل. بهذا المعنى إنه إستحقاقٌ للرئيس الحريري ولتيار المستقبل بامتياز، وهو معنيٌّ بها إنطلاقاً من الثوابت التالية:
لا مكان إلا للإعتدالِ في بيروت، فالمجلس البلدي للعاصمة مؤلفٌ من 24 عضواً مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين.
لماذا بيروت مهمة إنتخابياً؟
لأنها تضم نحو نصف مليون ناخب سينتخبون مجلساً بلدياً واحداً، ويتوزّع الناخبون ستون في المئة من الطوائف الإسلامية وأربعون في المئة من الطوائف المسيحية.
مع ذلك فإن الرئيس سعد الحريري يتمسَّك بالمناصفة ولا إمكانية لأن يحيد عنها، لأنَّه يعرف أنَّ المتربصين كُثر، لذا هو في بيروت ليدير المعركة، إذا كان هناك من معركة، محافظاً على التوازن والإعتدال، وهو ما سيكون بروفا للإنتخابات النيابية، بصرف النظرعن القانون الذي ستجري على أساسه.