الحريري يأمل من موافقته على الحوار مع «حزب الله» تحييد الوضع الداخلي عن حرائق المنطقة قدر الإمكان
البحث عن صيغ لإخراج لبنان من مأزقه الرئاسي شبيه بما جرى لتشكيل الحكومة السلامية
المفارقة في الواقع الراهن أن الحوار سيجري بشكل مباشر بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» في حين كانت الاتصالات في السابق تجري بشكل غير مباشر وبالواسطة
حاول الرئيس سعد الحريري في إطلالته الإعلامية الأخيرة وإعلانه الموافقة على الحوار مع «حزب الله» على وجه الخصوص، تحييد الوضع الداخلي اللبناني وحل مشاكله قدر الإمكان بمعزل عن الحرائق والحروب الدائرة في المنطقة، برغم معرفته بصعوبة تحقيق هذا الهدف حالياً بالكامل بسبب التعقيدات والتشابكات التي تربط لبنان بالمنطقة، إن كان بسبب الجغرافيا واتصال المصالح الاقتصادية أو ما شابه أو بسبب إمعان الحزب بالانخراط في القتال الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد بسوريا أو بالعراق أو اليمن، انطلاقاً من تقديم ولائه لإيران ومصالحها ومشاريعها وطموحاتها بالهيمنة على الدول العربية وعلى وطنه لبنان أو بسبب وجود مئات آلاف النازحين السوريين الهاربين من بطش وديكتاتورية النظام الأسدي على الأراضي اللبنانية وتداعيات هذا الوجود المكلفة جداً على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية على لبنان بكامله في ظل عدم تجاوب المجتمع الدولي لتقديم المساعدات المالية المطلوبة لمعالجة هذا العبء المتزايد الذي يفوق قدرات الدولة اللبنانية.
فتجاوب الرئيس الحريري بالموافقة على الحوار لم تأتِ من فراغ، بل لأنه يؤمن بالحوار كوسيلة لحل المشاكل الخلافية منذ البداية، وقد طرح أكثر من مبادرة بهذا الخصوص من قبل، ولأن «تيار المستقبل» لم يوقف من جانبه الحوار في السابق، في حين أن هذا القبول أوجبته متطلبات وظروف الوضع الداخلي الحساسة أكثر من اللازم والمناخات المأزومة بين السنّة والشيعة في المنطقة والخشية من تمددها الى لبنان بعد تزايد أجواء الاحتقان والاشكالات في أكثر من منطقة ولوقف الانحدار المخيف في تركيبة الدولة اللبنانية بسبب تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وتأثر بقية المؤسسات الدستورية بهذا الفراغ وانعكاسات كل ذلك على الواقع العام في البلد عموماً، ولأن الحوار أصبح الوسيلة الوحيدة في نظر الكثيرين للخروج من الواقع المتأزم برغم تحفظات واعتراضات بعض الاطراف السياسيين من حلفاء وخصوم «تيار المستقبل» على ذلك في الوقت الحاضر، استناداً الى التجارب الفاشلة السابقة للحوار مع الحزب منذ انطلاقته في العام 2006 وحتى إعلان «تفاهم بعبدا» في نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان.
وبرغم موافقته على الحوار، بقي الرئيس الحريري متمسكاً بمواقفه الأساسية الخلافية مع «حزب الله» وخصوصاً موضوع المحكمة الدولية ووجوب ملاحقة المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وملف حل مسألة سلاح «حزب الله» والمطالبة بانسحابه من القتال بسوريا بأسرع وقت ممكن ورفض تدخله بهذه الحرب أو بأي من الحروب الدائرة بالمنطقة عموماً وعدم استعمال سلاحه باللعبة السياسية الداخلية كما حصل في أكثر من مرة خلال العشر سنوات الماضية، ولم يضعها عقبة لرفض الدعوة الى الحوار أو عائقاً أمام استئنافه، بل ظهر أكثر تشدداً تجاهها، في حين أن طرحها على الطاولة كلها دفعة واحدة قد يتطلب ظروفاً ومناخات أكثر ملاءمة ولكنها ليست متروكة على غاربها كما يعتقد البعض أو يحلو له ذلك ولأن مصلحة البلد تتطلب في الوقت الحاضر البحث عن حلول للمشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية التي تعصف به من كل جانب.
وفي اعتقاد بعض السياسيين فإن الرئيس الحريري يحاول من خلال الحوار المزمع اجراؤه مع «حزب الله»، تكرار تجربة تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام الحالية برغم بعض الفوارق التي تحكم الحالتين، التوصل الي صيغة ما لتنفيس الاحتقان السائد والبحث في سبل انتخاب رئيس للجمهورية بعدما سدت كل الأبواب أمام اجراء هذا الاستحقاق بفعل مساندة الحزب لزعيم التيار العوني النائب ميشال عون في رفضه لكل الطروحات البديلة لانتخاب غيره كرئيس للجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في الخامس والعشرين من شهر أيار الماضي وحتى اليوم.
ولكن المفارقة في الوضع الراهن أن الحوار سيجري بشكل مباشر بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» في حين كانت الاتصالات في السابق تجري بشكل غير مباشر وبالواسطة وكان من ضمنها «التيار العوني» وأسفرت عن تشكيل الحكومة الحالية، في حين أن مسألة التفاهم على صيغة مقبولة لانتخاب رئيس للجمهورية، تتطلب هذه المرة إضافة الى التفاهم المطلوب بين «المستقبل» والحزب إشراك المكونات المسيحية الأساسية ومن ضمنهم «التيار العوني» والقوات والكتائب والمستقلين لضمان تأييد أوسع مروحة من التأييد المسيحي كون انتخاب رئيس للجمهورية يعنيهم وهو ما حرص الرئيس الحريري على إظهاره والتشديد عليه بشكل لا يحتمل اي التباس أو شك ولاعطاء انطباع واضح للحلفاء المسيحيين كما للخصوم بأن الحوار المزمع لن يكون متجاهلاً لمواقفهم وتوجهاتهم وخصوصاً بمسألة انتخاب رئيس الجمهورية ولن يكون على حساب أي طرف كان، بل سيكون لمصلحة الجميع ولمصلحة لبنان كلّه.
والاهم في نظر هؤلاء السياسيين هو ان ينطلق الحوار بين الطرفين، وأن يتمكن المتحاورون من تحقيق الحد الأدنى في تطلعات اللبنانيين وخصوصاً ما قصده الرئيس الحريري بتحييد الوضع الداخلي عن تفجيرات وحرائق الوضع الإقليمي المتواصلة قدر الإمكان ومن ثم التوصّل إلى تفاهمات مقبولة للخروج من مأزق انتخابات رئاسة الجمهورية، لأن النجاح في هذه المسألة المهمة يؤسّس للانطلاق قدماً للبحث في انتظام مسيرة الدولة بشكل عام وللغوص أكثر في الملفات الخلافية المعقدة اصلاً.