يبدو الرئيس سعد الحريري، العائد بقوة إلى المشهد السياسي، حريصاً على ألّا تعكّر صفو عودته خلافات «الجناحين» داخل تيار المستقبل، حرصه على عدم خروج أي موقف عن التيار «يخدش» حركته الرئاسية الأخيرة.
وهو، بعد أن ترك حبل «المستقبل» على غاربه لفترة طويلة، بما سمح لكثيرين بالتغريد خارج السرب، يبدي صرامة بعدم «خروج أحد عن الخط». وفي هذا السياق، يأتي إرجاء الاجتماع الدوري المقرر اليوم لكُتلة المستقبل الذي يُعقد كل يوم ثلاثاء برئاسة النائب فؤاد السنيورة. ورغم تزامن التأجيل مع سفر الأخير، إلا أن الكلام عن إرجاء الاجتماع سبق سفره، وأشارت مصادر في المستقبل إلى أن «الرئيس الحريري يرفض انعقاد اجتماع الكتلة من دون حضوره».
نواب التيار تسلموا أمس إشعاراً بإرجاء الاجتماع إلى حين عودة الرئيس الحريري من جولته الخارجية، وهو ما فسّره أعضاء في الكتلة بأنه «نوع من تعليق مسؤولية السنيورة عن رئاسة الكتلة وإنهاء لخروجه عن بيت الطاعة الحريري»، وهو بمثابة رسالة واضحة من رئيس كتلة «المستقبل» مفادها: «الأمر لي». الموضوع، من وجهة نظر النواب أنفسهم، ليس عابراً رغم تزامنه مع سفر السنيورة. وهم يعتقدون أنه ينطوي على قرار حاسم بأن «كل من يُخالف توجه رئيس تيار المستقبل لن يكون في موقع المسؤولية».
وتعتقد المصادر نفسها أن لا شيء يشغل بال الحريري في الأسابيع الأخيرة أكثر من «طمس» الخلاف الجوهري على دعم ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة. وبالنسبة إليه، لم تعد «المواقف النافرة» هامشية، «وسيكون من الكارثة أن يعجز عن معالجتها». في ضوء ذلك، اتخذ الحريري منحىً جديداً أوحى من خلاله لكل نواب كتلته بأنه هو المخوّل إعطاء الصلاحيات لأي شخص داخل التيار، وسحبها متى أراد، حتى من الرئيس السنيورة. وتشدد أوساط الكتلة على أنه «إذا تكرّرت هذه السابقة فإن ذلك يعني شيئاً واحداً، هو أن السنيورة لم يعُد الرئيس الفعلي للكتلة، بل رئيساً شكلياً فقط». كذلك فإنه يعني أنه من الآن وصاعداً «الاجتماعات ستعقد برئاسة الحريري، وستؤجل إن كان خارج البلاد».
رُبما كانت هذه الخطوة «دفعة أولى على الحساب يتلقاها السنيورة، وهو أول المشوشين على المبادرة الرئاسية التي بدأها الرئيس الحريري». أما الأكيد، فهو أنها «تنبيه موجّه إلى السنيورة أولاً، يلمّح إلى تراجع الثقة بالرجل»، وثانياً «تحذير الجميع، عبر رئيس الكتلة، من مغبة الخروج عن سلطة الحريري وخياراته». وفي رأي الأوساط نفسها، أن خطوة الحريري هذه هي الأولى، والأهم، على طريق لملمة تيار المستقبل، والتأكيد للجميع أنه «ولّى زمن التمايزات والتمردات».