Site icon IMLebanon

الحريري: لن أوقّع هذه التشكيلة…

 

يشهد الثلثُ الأوّل من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون أنّ علاقة الرئاسة الأولى، ومعها فريقها السياسي وعلى رأسه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، برئيس الحكومة سعد الحريري، لم تكن سمناً على عسل تماماً.

 

صحيحٌ أنّ تفاهماً ثنائياً قام على أساسه «العهد العوني»، لكنّ تشوّهاتٍ كثيرة أصابت تلك العلاقة الثنائية في أيامٍ بدا فيها التناغمُ غائباً بين بعبدا و«بيت الوسط». لكنها المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس الجمهورية فرضَ «حظر سفر» على رئيس الحكومة تحت عنوان أنّ أولويات التأليف تقتضي تقليصَ برنامج الرحلات الخارجية لتكثيف الجهود محلياً، كتعبيرٍ عن انزعاج رئيس الجمهورية من المراوحة التي تصيب الوضع الحكومي.

 

ومع ذلك حطّ الحريري في لندن على رأس وفد موسّع سياسي – اقتصادي ضمّ مجموعةً من مستشاريه للمشاركة في «منتدى رجال الأعمال والاستثمار اللبناني- البريطاني». واللافت كان مشاركة باسيل في أعمال هذا المنتدى، على وقع ارتفاع منسوب المشاورات في بيروت والتي بدأها رئيس الجمهورية الاثنين الفائت.

 

للوهلة الأولى، بدا أنّ التفاؤل يحصّن مبادرة رئيس الجمهورية الباحثة عن علاج لأزمة توزير النواب السنّة المستقلين، على قاعدة أنّ الرئيس لا يمكن أن يفعلها إلّا إذا كان متيقّناً من أنّ امكانية الحلحلة صارت متاحة، وأنّ هناك مَن قرّر التنازل والتضحية بمقعد لمصلحة سحب فتيل التعطيل.

 

وما رفع من منسوب التفاؤل هو قوة الدفع التي منحها رئيس مجلس النواب نبيه بري كون المبادرة انطلقت على أثر اللقاء الذي بينه وبين عون، ما فتح بابَ التفسيرات التفاؤلية على مصراعيه.

 

إلّا أنّ ما تؤكده المعلومات هو أنّ مسعى الرئاسة الأولى لا يرتكز على مبادرة محدّدة، وإنما جاء بمثابة ردة فعل على تلويح رئيس الجمهورية بإمكانية استخدام صلاحياته في توجيه رسالة إلى مجلس النواب من باب حضّ الجميع على تولّي مسؤولياتهم إزاء أزمة التأليف، بعدما استعرض رئيس المجلس التحدّيات والمحاذير التي قد تواجه الرئاسة الأولى في حال أقدمت على هذه الخطوة النوعية.

 

ويؤكد مطلعون على لقاءات رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب ومع وفد «حزب الله» ومع النواب السنّة المستقلين، أنّ الرئاسة الأولى لم تتقدّم بصيغة معالجة واضحة أو محدّدة، وإنما تسعى من خلال تحرّكها إلى خلق مناخٍ إيجابيٍّ تفاؤليّ يشيح النظر عن سيناريو توجيه الرسالة إلى مجلس النواب بعدما طغت سلبياتها على إيجابياتها.

 

وفي هذا السياق، يؤكد أحد النواب السنّة المستقلين أنّ اللقاء في بعبدا اقتصر على عرض رئيس الجمهورية لتحديات الوضع الاقتصادي وأخطاره، داعياً إلى المساعدة في إيجاد حلّ للأزمة الحكومية. وقد اشتكى الوفد من تعاطي رئيس الحكومة السلبي مع أعضاء «اللقاء التشاوري»، مؤكداّ أنّ أعضاءَه يمثلون شريحة مجتمعية كبيرة لا يجوز إلغاؤها.

 

وإذ تمنّى رئيسُ الجمهورية على ضيوفه التعامل بإيجابية مع التطورات، أكد الوفد أنّه لن يتنازل عن حقه في التوزير. لكنّ الأهم من ذلك، أنّ رئيس الجمهورية آثر عدم الغوض في التفاصيل وفي حيثيات مبادرته.

 

إذاً، في اليوم الثالث لحراك رئيس الجمهورية، يمكن الاستنتاج أنّ الأفق الحكومي لا يزال مقفلاً لاعتبارات عدة أبرزها:

 

– يحاذر عون الإقدام على أيِّ خطوة تنازلية من قبيل توزير السنّة المستقلين، أو مَن يمثّلهم من حصته، بسبب إصرار رئيس «التيار الوطني الحر» على ضمان حصوله على ثلث معطل.

 

ولهذا طرح باسيل صيغة الـ32 وزيراً التي تمنحه هذا الامتياز وتفتح باب معالجة لأزمة توزير السنّة المستقلين، إلّا أنّ الحريري رفض تلك الصيغة بحجة ممانعته توزير علوي، لأيِّ حصة انتمى.

 

– في لحظة بدت فيها «تسوية الأنصاف» ممكنة، بمعنى تقديم نصف انتصار لـ«حزب الله» مقابل نصف «انكسار» في حق الحريري، عاد الأخير إلى مربّعه التصعيدي الأول، إذ تفيد المعلومات أنّه استعاد «خطاب التحدي» ليبلغ إلى سائليه رفضه المطلق أيَّ طرح من شأنه أن يسمح بـ«تسلّل» خصومه السنّة الى حكومته، وبالتالي لن يوقّع مرسوم حكومة تضمّ وزيراً سنّياً محسوباً على قوى الثامن من آذار، سواءٌ من النواب الستة أو من خارجهم، والى أيّ حصة انتمى.

 

في النتيجة، يقول المطلعون على موقف الحريري إنّ شارع الأخير تفاعل إيجاباً مع الخطاب المتشدّد، ويكفيه أن يرى صوره تُعلّق مجدداً في شوراع طرابلس والبقاع الغربي ومحلة «الطريق الجديدة» في بيروت بمبادرات ذاتية، لكي يرفض العودة إلى المسار التنازلي. ويكفيه أن يستمع إلى مفردات بيان القمة الخليجية… لكي يفرمل أيَّ مسعى يكرّس الثنائية السنّية في الحكومة.