كلما طالت عودة سعد الحريري الى لبنان، كلّما زادت وتوسّعت الشائعات والروايات حول استدعائه الى الرياض في «ليلة ليلاء»، واجباره على الاستقالة من رئاسة الحكومة، والتحفّط عليه في منزله وعدم السماح له بمغادرته الا بأمر مهمة.
الرواية الاولى كانت ان سعد الحريري ذهب بعيداً في مسايرة حزب الله وحلفائه، خلافاً لما تم التفاهم عليه مع القيادة السعودية عند وضع بنود التسوية السياسية.
الرواية الثانية، ان سعد الحريري، ليس الرجل المناسب للوقوف في وجه التدخل الايراني في الشؤون اللبنانية، حيث تحوّلت بيروت الى محطة دائمة لمسؤولين ايرانيين يتصرّفون وكأنهم اهل البيت.
اما الرواية الثالثة المذهلة والغريبة في آن، فهي ان القيادة السعودية اكتشفت ان سعد الحريري على تفاهم مع الامراء والشخصيات السعوديين الذين تم اعتقالهم، وكان مكلفاً من قبلهم الاتصال بشخصيات ايرانية، لوضعهم في اجواء العمل للاطاحة بنظام الحكم في السعودية، وقد بني على هذه الرواية العديد من التفاصيل لاعطائها «مصداقية» وتصبح قابلة للتصديق.
جميع هذه الروايات وغيرها، لم تأت من فراغ، لان الضبابية التي رافقت بقاء الحريري في الرياض، كانت ارضاً خصبة لهذا لنوع من الروايات والتحليلات التي لم تنجح المقابلة التلفزيونية من تبديدها، لانها خضعت بدورها لمجهر المراقبة التي يسلطّها محبوّ الحريري والمغرمون به، على كل حركة من حركاته، حتى ان عدم السماح بوجود صحافيين لتغطية لقاء البطريرك الراعي والحريري، ولو بشريط قصير، اعتبر حجة جديدة، تضاف الى جعبة المشككين بوضع الحريري الصحيح، اما لماذا لا يحسم الحريري الامر ويحزم حقائبه ويعود الى بيروت، اذا كان حراً حقيقة، ولماذا لم يتنبه اهله السعوديون بعد الى سوء التصرف في حالة الحريري، فهذا امر ما يزال ملكهم وملك الحريري.
***
اذا وفى الرئيس الحريري بوعده انه سيكون في بيروت في غضون ثلاثة ايام، فهذا يعني ان طائرته ستحط اليوم في مطار بيروت، وان الاحجية التي رافقت سفرته المفاجئة الى الرياض، ستتكشف شيئاً فشيئاً، ولن يبقى منها سوى مضمون الاستقالة، التي ستكون مدخلاً الى الاستقرار والسلام وانطلاق عجلة الدولة، في حال تم التوافق عليها بعجيبة ربانية، او انها ستكون بداية طريق الجلجلة امام لبنان واللبنانيين، في حال فشل الحريري في اقناع من يعنيهم الامر، ان عدم النأي بالنفس عن مشاكل المنطقة وحروبها، سيدخل لبنان، وسريعاً هذه المرة، بنفق من الاحداث المريرة، لا يملك لبنان قدرة على مواجهتها او استيعابها او التقليل من نتائجها السيئة.
نحن امام خيارين لا ثالث لهما، وحده سعيد الحظ، او العاقل، هو الذي يختار الخيار الصحيح.