IMLebanon

الحريري في بيروت: من حضر السوق باع واشترى

عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت ليست لمواكبة الاستحقاق الرئاسي، بل لتمهيد الاجواء لفرض اسمه مرشحاً وحيداً لرئاسة الحكومة، اياً كانت هوية الرئيس العتيد

عملاً بالمثل الشعبي «من حضر السوق باع واشترى»، حلّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيروت. الزيارة التي يحاول رئيس الحكومة السابق وفريق عمله الترويج بأنها تأتي في اطار مواكبة الاتصالات واللقاءات لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، لا تصبّ، في واقع الحال، في هذا الهدف.

بل هي، باختصار، تهدف الى فرض امر واقع، يتعلق بعودته الى رئاسة الحكومة، لا اكثر ولا اقل، واعتباره رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في اي كلام عنها. وسواء كان هناك مرشح رئاسي او اثنان او ثلاثة، كما يقول، يريد الحريري ان يكون مرشحاً وحيداً لهذا الموقع مهما كانت هوية الرئيس العتيد.

اوساط سياسية مطلعة على مفاوضات باريس وما يجري في كواليس بيروت السياسية، تتعاطى مع زيارة الحريري من هذه الزاوية حصراً، بعدما وضع رئيس تيار المستقبل نفسه، بدءاً من لقاء باريس، وصولاً الى عودته وخطابه وأدائه واتصالاته ونوعية اللقاءات التي يعقدها، في اطار المرشح الطبيعي والتلقائي للمرحلة المقبلة التي يمكن ان يواجه فيها لبنان حل ملف رئاسة الجمهورية العالق منذ اكثر من عشرين شهراً. فأي تسوية متوقعة، سواء على ايقاع المفاوضات الدائرة حول سوريا وتطوراتها الميدانية، أو بناء على رغبة اقليمية ودولية بتحييد لبنان عن مخاض سوريا الحالي، ستفترض حكماً التوافق على اسم رئيس الجمهورية الجديد، وهو امر ليس في يد الحريري ولا الأصوات التي يمتلكها بفعل إمساكه بقرار جزء من النواب المسيحيين. ولأنه، بعد التحالف المسيحي الذي اعلنه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، لم تعد الكلمة الفصل في ملف الانتخابات الرئاسية للحريري الذي افترض انها له، حين رشح في باريس رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.

من هنا يحاول الحريري بعودته الى بيروت وضع خريطة عودته الى السرايا الحكومية. فلقاء باريس حدد بشروطه الاولى عودته رئيساً للحكومة لست سنوات كاملة، كما اكدت اوساط الحريري بعد لقائه فرنجية. لكن تسوية المجيء بعون رئيساً باتت هي الأقرب الى الواقع بعد لقاء عون وجعجع وتمسك حزب الله بعون، ومهما قيل عن وجود ثلاثة مرشحين. وبالتالي، تحوّلت مهمة الحريري البحث أيضاً عن تسوية تأتي به رئيساً للحكومة مع الطرفين المسيحيين المعنيين مباشرة. وحتى الآن، اقتصر كلام كل من فتح معه ملف رئاسة الحكومة على الآتي: «يمكن أن نضمن حكومة العهد الأولى فقط، لكن أي حكومة بعد أول انتخابات نيابية ستنتجها الأكثرية النيابية، وهي التي تسمي رئيس الحكومة المقبل».

هذا الكلام كان قبل احتفال البيال. لكن ما بعده كلام آخر.

لأن ما جرى في 14 شباط 2016 يتعدى إساءة الحريري لجعجع، والتي ستؤشر من الآن وصاعداً إلى كيفية تعاطي التحالف المسيحي الثنائي مع رئاسة الحكومة. فالحريري أراد، في خطابه، فرض خريطة طريق، وسعى بعد الاحتفال إلى تغليب تحالفات ووضع شروط لا يخوّله موقعه الحالي وضعها. التلميحات حول ملفات مالية وسياسية وإدارية لم تعد محصورة بفريق الحريري السياسي، لأنها كلها ستكون في يد العهد الجديد، وفي يد الحكومات التي ستأتي معه، بغير الشروط التي اعتاد القيّمون على الطائف الذي نفذ ــــ وليس الطائف الحقيقي ــــ فرضها لتشكيل الحكومة. اليوم ثمة كتلتان مسيحيتان فرضتا إيقاعهما على ملف رئاسة الجمهورية، وستكون لهما أيضاً كلمتهما في رئاسة الحكومة، لكونهما من أكبر الكتل النيابية، أسوة بغيرهما من الكتل.

في موازاة ذلك، بدأ الحريري تدوير الزوايا مع كل الخصوم والحلفاء، طبعاً ما عدا جعجع الذي بات في عرف الحريري ومجموعته من «الخوارج» الذين لم يلتزموا الخط الذي افترض رئيس الحكومة السابق أنه يجب على أركان قوى 14 آذار أن يلتزموه. ولأنه يريد رئاسة الحكومة بأي ثمن، ولأن رئاسة الحكومة تعني أولاً وآخراً الاستمرار بالإمساك بمفاصل مالية واقتصادية وإدارية، بدأ الحريري سلسلة اتصالات وتصريحات لتمهيد الطريق أمام عودته، مع قوى وأحزاب وشخصيات سياسية. خطاب الحريري في البيال هو خطاب تلفزيوني لتعبئة الجمهور فحسب. أما الخطاب السياسي، فهو استكمال الحوار مع حزب الله، وصولاً إلى تخفيف لهجة كلامه بالأمس عندما تناول تعاطي حزب الله مع الاستحقاق الرئاسي.

وفي سعيه إلى رئاسة الحكومة، ثمة نقطة أساسية أيضاً على هامش وجود الحريري في بيروت، إذ يسعى إلى تخفيف أعبائه المالية وتفادي المطبات السياسية قبل الانتخابات البلدية المقبلة. فتحالف الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي قادر على إرباك المستقبل جدياً وعرقلة أي طموح له بالتفرد في قراره البلدي. وجاء الاتصال بين الحريري وميقاتي حول بلدية طرابلس ليؤشر إلى أن الأول يريد تفادي أي إغراق للمستقبل في الانتخابات البلدية المكلفة مالياً وسياسياً، والتقليل من أضرارها سلفاً تفادياً لأي محاولات جدية يمكن أن تودي بالبلديات التي يمسك بها المستقبل. علماً أن أي خسارة للمستقبل في مناطق حساسة سبق أن سيطر عليها، ستعني الكثير من المؤشرات بالنسبة إلى حجم التيار وسيطرته على الشارع السني. خصوصاً أن الشح المالي معطوفاً على الأزمة الداخلية للمستقبل هما خطران جديان باتا ينعكسان على أي انتخابات يخوضها.