حتى ولو كان البطريرك الراعي هو من طلب لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري فقد كانت فرصة للاخير للاستعانة ببكركي ليس على رئيس الجمهورية وانما على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. جهد الحريري في تصويب نظرة الراعي انه لا يقصد تشكيل حكومة بمفرده وان الخلاف ليس سنياً مسيحياً. حيّد ميشال عون وركز على باسيل الذي بات الحريري على قناعة بأنه دون غيره يعرقل ولادة حكومته.
درجت العادة ان يتولى الوزير السابق غطاس خوري موفداً من الحريري وضع البطريرك الراعي في تطورات تشكيل الحكومة وما الى ذلك من مستجدات محلية. لكن تأخير تشكيل الحكومة وتفاقم العراقيل وتبادل الاتهامات على خط رئيس الجمهورية والرئيس المكلف دفع سيد بكركي الى الاطلاع على حقيقة ما يحصل من الرئيس المكلف مباشرة، فزار الحريري الصرح البطريركي.
جاءت الزيارة في توقيت هو الاكثر حساسية من حيث التشنج الذي تشهده الساحة السياسية في لبنان والذي ينذر بتداعيات خطيرة جداً، وقد اعادت البلد الى اجواء شبيهة بفترة 1975 والاصطفافات الطائفية مجدداً. كسر اللقاء التشنج، وأهميته حسب مصادر مواكبة لحراك بكركي “انه جمع أرفع مرجع ماروني مسيحي مع زعيم السنة”. بدد الحريري الاجواء التي تحاول تصوير الخلاف الناتج عن الادعاءات القضائية التي أصدرها المحقق العدلي فادي صوان، بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، او تلك المتعلقة بتشكيل الحكومة على أنها خلاف إسلامي مسيحي، مشيراً الى ان الاعتراض على الادعاء على دياب هو محض قانوني، اما في الموضوع الحكومي فقد قدم الحريري مطالعته للمسائل التي تعيق ولادة الحكومة لا سيما بعد زيارة الراعي الاخيرة الى بعبدا وتصريحه الشهير عن عدم أحقية اي طرف الاستفراد بتشكيل الحكومة.
تنقل مصادر قلق البطريرك لمنسوب الأزمة التي بلغها لبنان، وقد زاد من ألمه عدم التعاطي بمسؤولية مع المبادرة الفرنسية، ولاحقاً حين لاحظ الخلاف حول تشكيل الحكومة والحديث عن حصص وثلث معطل، أراد الوقوف على حقيقة الامر من الرئيس المكلف والاطلاع منه على المراحل التي قطعها تشكيل الحكومة، ولو انه كان اطلع من خلال عون على التفاصيل. في ظروف طبيعية لا يرى الراعي غرابة في تأخير تشكيل الحكومة والتمهل في ولادتها لكن اما وقد بلغ الظرف ما بلغه من ازمة بهذا الحجم فلم يعد ممكناً البقاء مكتوفي الايدي في موقع المراقب.
أبدى الحريري حرصاً على عدم تصوير الهدف من الزيارة وكأنه في نية الشكوى على عون لدى البطريرك. أظهر كل ايجابية تجاه رئيس الجمهورية، مثنياً على دوره في تشكيل الحكومة التي لا يمكن ان تبصر النور الا بعد موافقته، متمنياً لو يحصل هذا التوافق بينهما.
وضع الحريري الراعي في تفاصيل مسار تأليف الحكومة وظروف التشكيلات الحكومية التي سبق وتحدث بشأنها مع عون والعراقيل التي كانت تعترض كل تشكيلة. وكيف أن عون كان متعاوناً بالفعل الى حدود التشكيلة الاخيرة للحكومة التي قدمها وكان يأمل لو انه تجاوب معه بشأنها ولكنه فوجئ ببعض المطالب وكيف تم تخريج ما حصل من خلال السجال الذي قاده المستشار سليم جريصاتي بشكل مخالف للواقع. وفي سياق كلامه لمح الحريري الى وجود عرقلة متأتية من مكان ما وتحدث عن اطراف تريد تأخير تشكيل الحكومة بذرائع مختلفة منها الثلث المعطل معولة على تطورات خارجية. وأكد ان المعلومات التي تم تداولها في الاعلام غير صحيحة كما “ليس صحيحاً اني اريد اختيار الوزراء المسيحيين في الحكومة بينما اترك للطوائف الاخرى اختيار وزرائها، ولكن هناك 22 نائباً مسيحياً سموني رئيساً مكلفاً لا يمكن ان اغفل تمثيلهم”، وبرهن ذلك بالقول “اني اتشاور مع كل القوى السياسية التي يجب ان انال ثقتها في نهاية الامر ولكن ليس ليعطوني اسماء بل لأعرض عليهم اسماء ويحصل اخذ وعطاء في ما بيننا، وفي الاسماء التي ضمنتها التشكيلة الاخيرة للحكومة نلت موافقة 80 بالمئة من القوى السياسية على اسماء غير حزبية”. واضاف “لم اذهب الى الرئيس نبيه بري واطلب اسماء ولكن اذا كان رئيس المجلس عرض علي اسماء غير محازبين وكفاءات فهل ارفضها لكونه طرحها وكذلك الامر مع البقية”، من دون ان يفوته الثناء على دور بري وتعاونه في عملية تشكيل الحكومة.
لم يطرح الحريري الحديث عن عون كمسبب للتعطيل وانما كمعني بتشكيل الحكومة وقال: “صحيح اني رئيس مكلف ولكن هناك رئيس جمهورية ولا يمكن ان أشكل حكومة من دونه ولم اسم من دون مشورته بدليل ان الاسماء التي وردت كانت من اقتراحه وسبق وان عرضهم علي”. اشادة الحريري بدور وتعاون رئيس الجمهورية قابله حديثه عن دور غير مسهل لباسيل. تحرص المصادر المواكبة على القول ان حديثه عن باسيل “كان فائق اللياقة”. وعما إذا كان البطريرك بوارد جمع الحريري مع باسيل جزمت المصادر ان “الامر لم يطرح بهذا الشكل”، لكنها قالت بالمقابل ان البطريرك ومن خلال اتصالاته سيشمل كل المعنيين للحث على تشكيل الحكومة في اسرع ما يمكن. وعد البطريرك ضيفه بأن يجري مروحة اتصالات مع المعنيين ويضع رئيس الجمهورية في اجواء مداولاته مع الحريري قائلاً: “سأحاول لعب الدور المؤثر على هذا المسار لمصلحة البلد”، مبدياً حرصه على تشكيل حكومة اختصاصيين من ذوي الخبرة والكفاءة ليتسنى لهم تأمين تجاوز البلد لأزمته.