Site icon IMLebanon

الحريري في رسائل مفتوحة  بعقلٍ مفتوح وقلب مفتوح  

مُقلٌّ الرئيس سعد الحريري في إطلالاته، فهو لا يتكلم إلا إذا كان لديه شيء يقوله أو مناسبة يتحدث فيها أو رسائل يريد توجيهها الى من يعنيهم الأمر، وهل أعز من مناسبة إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ليوجِّه هذه الرسائل:

الرسالة الأولى: كانت لأهل البيت إذا صحّ التعبير، أي إلى تيار المستقبل، فلا أجنحة بل تعدد آراء تنتظم في رأي واحد حين يُتخذ القرار، لذا فإن أي مراهنة على صقور وحمائم داخل تيار المستقبل هي مراهنة في غير محلها لا الزمان ولا في المكان ولا في المضمون ولا في الشكل.

الرسالة الثانية: هي رسالة وفاء للمملكة العربية السعودية، وليس قليلاً ان يستهل خطابه بهذا الوفاء حين يقول: نجدد عهد الوفاء للمملكة، لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الامير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ملتزمين السير على خطى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي زرع في قلوبنا، محبة المملكة وشعبها وقيادتها، وعاد منها إلى وطنه لبنان بإرادة الخير والبناء والإعتدال والسلام الوطني.

الرسالة الثالثة: ان لبنان هو المحور وليس في أي محور، بل يُقدِّر ويحترم كل العاملين على خط الاعتدال العربي، وقد خصهم بالذكر في لفتة أكثر من ذكية من خلال قوله: سنبقى على ايماننا بقدرة اللبنانيين وبقدرة العرب على تجاوز النزاعات، بإرادة الإعتدال الذي ترعاه المملكة العربية السعودية، وبروح التضامن الذي شهدناه في الأردن، وتغليب الحقوق الوطنية على المكاسب الحزبية، كما فعل أشقاؤنا في تونس، وكما يفعل الأشقاء في مصر الذين قرروا منازلة التطرف في عقر داره ليحموا مع القوات المسلحة مفهوم الدولة من الضياع.

ماذا بعد؟ وأي رسائل أخرى؟

كانت الرسالة الأهم للشريك المسيحي في الوطن، وهي رسالة عزيزة على قلبه وتجد ترجمتها في الإلحاح على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لانه بالنسبة اليه الفراغ في موقع الرأس هو الأشد خطراً على البلد، لذا فهو قال: أسوأ ما في الأمر، أن تعطيل الاتفاق على الرئاسة، يكرس مفهوم خاطئا بأن البلد يمكنه ان يعالج أموره، برئيس أو من دون رئيس.

ربما هناك من يستطيب استمرار الشغور، وتوزيع سلطات الرئيس على 24 وزيراً. ومن المهم التأكيد في هذا المجال، ان وجود 24 وزيراً لا يعوض غياب رأس الدولة، وان مجلس الوزراء يقوم مقام الرئيس في الحالات الاستثنائية فقط. والواقع ان الشغور الراهن لا ينشأ عن ظرف استثنائي، انما هو مستمر بسبب عناد سياسي، أو صراع على السلطة.

ليس أهم من الصدق والعفوية مع زعيم لم يعرف طريقاً الى عقول الناس وقلوبهم سوى الصدق والعفوية، انها الطريق الاقصر، من دون لفّ ولا دوران.

الرئيس سعد الحريري هو واحدٌ من الزعماء الذي يعتبر ان الصدق هو المضمون الدائم في كل خطاب وفي كل مؤتمر وفي كل بيان. ولعل ما بدأ به خطاب الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري يُعبِّر عن هذه الحقيقة، حيث قال بعفويته المحببة وصدقه الشفاف: بدكن للحقيقة؟ ما في أحلى من الوقفة بيناتكن، وما في أحلى من إنو يكون الواحد ببيروت. مش عاشي قليل كانت بيروت حبيبة قلبو لرفيق الحريري.

بهذه البساطة خاطب الرئيس الحريري الحضور، وعبره كل اللبنانيين، ولعل هذه الكلمات القليلة هي بمثابة خطاب متكامل يُعبّر عما يكنه ويكتزنه لبيروت وللبنان.

في خطابات سابقة واحتفالات سابقة، كان الشعار الابرز هو العبور الى الدولة، ناضلت قوى 14 آذار لتحقيق هذا الهدف ولم تحد عنه على رغم كل التحديات والمصاعب. كان العبور الى الدولة من دويلات الحرب والدمار ومعارك الشوارع والزواريب، لم يكن التحدي سهلاً لكنه تحقق.

اليوم يبدو ان الشعار الابرز هو العبور الإعتدال، وهذا الهدف هو استمرار للمسيرة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى الرئيس سعد الحريري.

في كلمته يقول الرئيس سعد الحريري: كان رفيق الحريري قوة الاعتدال في وجه التطرف والتعصب والعنف، وها نحن نواجه اليوم جنون التطرف والتكفير والارهاب. إذا كان رفيق الحريري قد افتدى لبنان بحياته في مثل هذا اليوم، فالوفاء له يقتضي ان نحمي لبنان بأهداب العيون.

ما لم يقله الرئيس سعد الحريري هو الحفاظ على لبنان الاعتدال لأن هذا هو الهدف، لا بل ذهب أبعد من ذلك حين أعلن تطرفه للبنان بقوله: أنا لست معتدلاً، أنا متطرف: أنا متطرف للبنان، للدولة، للدستور. أنا متطرف للمؤسسات، للشرعية، للجيش، لقوى الأمن الداخلي، أنا متطرف للنمو الاقتصادي، لفرص العمل، للحياة الكريمة، أنا متطرف للعيش الواحد، للمناصفة، أنا متطرف لبناء الدولة المدنية، نعم الدولة المدنية: دولة القانون، التي تحكم على كل مواطنيها بالقانون، وفقط بالقانون، لأن اختلافات الفقه، والدين، والمذهب، والتفسير، لا يجب أن تنسحب على الدولة، ولا على الحياة العامة.

هل من وضوح أكثر من هذا الوضوح؟

وهل من شفافية أكثر من هذه الشفافية، لقد اعطى الرئيس الحريري مفهوماً ثورياً وابداعياً للتطرف، وبالتأكيد ليس التطرف كما هو سائدٌ اليوم بل هو التطرف الحضاري إذا صح التعبير.

سعد الحريري إبن ابيه وسرُّ ابيه… حامل الامانة وحافظ العهد وملتزم الوفاء… رسائله أكثر من واضحة، فهل من يقرأ؟

بيت الوسط منذ ليل الجمعة مزدحم بالانصار والاوفياء والمحبين، بسرعة خاطفة يعود المرجع، وهذا ليس تفصيلاً في الحياة السياسية حيث الغياب يُكمل الحضور ولا يضعفه.

هكذا يكون الرئيس الحريري قد اعاد رسم خارطة الطريق، وانهى خطابه كما بدأه: عفوية مطلقة وصدق مطلق، بقوله: جوابنا، بعد عشر سنين هو نحنا مكملين. مكملين وما منيأس.