تكتسب الزيارة التي يقوم بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لباريس، أهمية خاصة، نظراً الى عمق العلاقات التاريخية التي تربط بين لبنان وفرنسا، والاهتمام الدائم والاستثنائي الذي تبديه فرنسا بالوضع اللبناني، ما يشكل أحد الثوابت الفرنسية في السياسة الخارجية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، أن الزيارة طبيعية في مرحلة من وجود القيادة الفرنسية الجديدة برئاسة ايمانويل ماكرون، ما يؤكد ضرورة التواصل والتشاور السياسي على أرفع المستويات، نظراً الى دقة الموقف في المنطقة، والدور الذي تتمتع به فرنسا في التأثير في القرارات والتوجهات الدولية. وهناك عناوين سياسية واقتصادية على بساط البحث فضلاً عن المسائل التي تخص الشراكة اللبنانية مع الإتحاد الأوروبي، وكيفية مساعدة لبنان في تنمية اقتصاده، وتحمله أعباء اللجوء السوري على أراضيه والذي يقارب عملياً المليوني نسمة.
وتوضح المصادر، أن الحريري سيستطلع المعطيات الفرنسية بالنسبة إلى لبنان والمنطقة، والتوجهات الجديدة لدى القيادة الفرنسية، مع كل ما تمثله من تغيير تاريخي في فرنسا. وما يهم لبنان، هو سياسة فرنسا تجاهه، وما الذي ستقدمه في ظل رئاسة ماكرون، أي ما إذا سيتم تفعيل المساعدات للجيش اللبناني بغض النظر عن مصادر التمويل، لاسيما وأن الجيش أدى ويؤدي دوراً محورياً في مكافحة الإرهاب. كما أنه سيستطلع ما إذا كانت فرنسا ستبقى في عهد ماكرون داعمة لمجموعة الدعم الدولية للبنان وملتزمة بها. مع الإشارة إلى أنه لا توجد حتى الساعة مؤشرات على إنعقاد المجموعة على هامش أعمال الدورة ٧٢ للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتتوقع المصادر، أن تكون لفرنسا مصلحة، في أن تستمر في دعمها للبنان، وكذلك في إطار جهود الإتحاد الأروبي لإنعاش الإقتصاد اللبناني. وأخيراً التزمت دول الإتحاد بتقديم الدعم للقيام بما يلزم بالنسبة إلى توسيع قدرات لبنان على استيعاب النازحين السوريين. ولدى لبنان إصلاحات يجب أن ينجزها قبل ذلك، لكن الدول أبدت استعدادها لمساعدة لبنان، وفق خطة واضحة ذات جدوى، يجب أن يقدمها بسرعة.
ولا تستبعد المصادر، أن يتم الإعلان خلال الزيارة عن إعادة الدعم لمؤتمر مجموعة الدعم أو السعي الى عقده في موعد محدد. وتؤكد أن إهتمام فرنسا بلبنان وشؤونه واستحقاقاته، سيبقى مسألة أولوية بالنسبة إليها، إذ أن سياستها حياله ثابتة، إما إذا حصلت تغييرات معينة، فلن تكون جوهرية، إنما تأتي في سياق الطابع الجديد الذي سيتخذه شكل التعامل مع المنطقة وملفاتها، لكن مع الخصوصية المعتمدة بالنسبة إلى لبنان.
وتناقش مشاريع إقتصادية يمكن أن تدعمها فرنسا، مثل النفايات، والنقل المشترك، والكهرباء، والطاقة المستدامة، والمياه، وهي أساسية للبلد. وسيتم التركيز على نتائج عملية للزيارة، وأيضاً موضوع النازحين السوريين وضرورة عودتهم الآمنة إلى بلدهم. وكانت فرنسا نظمت مؤتمرات باريس ١ و ٢ و ٣ حول دعم لبنان واقتصاده. والمساعدات في ما مضى ربما تعثرت في ظل الحكومة اللبنانية السابقة، حيث واجهت عقبات القرارات الفورية لكن الآن عاد البلد إلى وضعه الطبيعي. وهناك مؤسسات دستورية فاعلة، وتعاون كامل بين الرؤساء، لذلك مطلب لبنان هو إعادة الدعم الفرنسي الكامل في ظل العهد الجديد، لاسيما وأن زيارة الرئيس الحريري ستليها زيارة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى باريس وحددت في ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ أيلول الجاري.
الحفاوة في إستقبال الرئيس الحريري كانت لافتة، وهي تؤشر إلى عمق العلاقات بين لبنان وفرنسا من جهة، وبين آل الحريري وفرنسا من جهة ثانية، منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد بقيت العلاقة الفرنسية الرسمية وعلى أعلى المستويات مع آل الحريري، واستمرت وتعمقت منذ عهد الرئيس جاك شيراك وصولاً إلى الرئيس نيكولا ساركوزي، ثم الرئيس فرنسوا هولاند، على الرغم من الإنتماءات الحزبية المتنوعة لهؤلاء الرؤساء. والتقدير الفرنسي سيستمر لآل الحريري وللأولوية اللبنانية، نظراً إلى دور عمل المؤسسات في فرنسا، حيث يحظى لبنان وأوضاعه بإهتمام خاص، وفرنسا لا تترك لبنان إطلاقاً، وتقف دائماً إلى جانبه.
وعدا عن مؤتمرات باريس، كان هناك الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية، والمساعدات للبنان لإيواء النازحين السوريين في الإطار الثنائي، والأوروبي مع لبنان. وتبقى باريس الداعمة الأولى للبنان في مجلس الأمن الدولي، ولديها المشاركة الأكبر في قوة «اليونيفيل» في الجنوب، وهي تقدم مشاريع القرارات للتمديد لهذه القوة. كما لعبت دوراً محورياً في إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان التي تحاكم قتلة الرئيس الشهيد، وهي الداعمة الأساسية لإستقرار لبنان وإبعاده عن اللهيب في المنطقة.
ولدى فرنسا تشاور سياسي عميق مع السلطات اللبنانية ومع كل القوى وتهتم بالإستحقاقات اللبنانية، ودرء المخاطر التي قد تصيب لبنان.