IMLebanon

الحريري على خطى جعجع

إذا أقدم «حزب الله» على تنظيم الخلاف الرئاسي بين حليفَيه الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، يكون الجنرال قد حقّق أعجوبة الانتظار بعد 28 عاماً من الطموح الرئاسي، وتكون مكافأته الكبرى انتصار معادلة أطلقَها منذ مدّة مفادُها: إذا لم أصبح رئيساً ستتعبون أنتم، وإذا انتخبتموني رئيساً سأتعب أنا.

تحقّقت النبوءة مع الدكتور سمير جعجع الذي تعبَ أوّلاً، ثمّ سار الرئيس سعد الحريري على خطاه، وها هما يتّجهان لتوحيد موقفهما بخصوص رئاسة الجنرال، أمّا الرئيس نبيه برّي فلا يبدو متعَباً إلى الآن، كونه دخلَ في الأمس القريب إلى الحلبة، على الرغم من أنّ جولات ملاكمة كثيرة دارت في السابق وما تزال.

إنتقل الحريري من ترشيح إلى ترشيح، لكنّ النقلة الأخيرة، وربّما النهائية، أكسبَته نقاطاً، حيث نجَح للمرّة الأولى في نقلِ مشكلة انتخاب عون إلى «حزب الله» وفريقِه، لكنّ ذلك لا يمكن احتسابه نصراً سياسياً، فالمبارزة لا تزال في أوّلها، ويحتفظ «حزب الله» بأوراق كثيرة لإعادة رمي الطابة إلى ملعب الحريري وجعجع، من دون أن تتضرّر علاقته بالجنرال.

أدّى قبول الحريري المبدئي برئاسة عون إلى تعرية الكثير من أوراق البوكر المطويّة، وأبرزُها الورقة الأخيرة التي استعملها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الذي طرَح انتخابَ عون وتولّي الحريري رئاسة الحكومة من دون اتّفاق مسبَق على سلّة الرئيس برّي، فإذا بالأخير يطرَح السلة شرطاً ومعبَراً إجبارياً للانتخاب، وإذا بالحزب يوزّع عبر الإعلام الصديق، نصائحَ متناقضة لبرّي وعون، من دون أن ينجح في ضبط الخلاف، لكن من دون أن ينزع من كِلا الطرفين أوراق القوّة التي يمتلكها.

يعود الخلاف بين بري وعون إلى البدايات. لم يَقتنع عون بإعادة انتخاب بري رئيساً للمجلس النيابي، لكنّ الحزب تولّى الأمر، طالبَ الجنرال بانتخاب أيّ نائب شيعي رئيساً للمجلس لكنّ «حزب الله» تمسّكَ ببرّي.

الورقة المطوية الأخرى التي كشفَتها الموافقة المبدئية للحريري على انتخاب عون، هي التزام نصرالله إقناع حلفائه بانتخاب عون إذا ما وافق تيار «المستقبل»، هذه الورقة ذهبَت أدراج الرياح، حيث صمتَ «حزب الله» على معارضة بري انتخابَ عون، لا بل لم يمانع، على الرغم من معرفته المسبقة، بإرجاء جلسة الانتخاب شهراً كاملاً، في إشارة من بري إلى الازدراء بالتحرّكات الشعبية التي سينفّذها «التيار الوطني الحر» في السادس عشر من تشرين الأوّل.

يمكن القول إنّ الجزء الأيسر ممّا قام به جعجع ولاحقاً الحريري، قد أدّى نتائجه الأوّلية، لكن كلّ ما حقّقته خطوة الموافقة على عون، سيكون عرضةً للاختبار الكبير، مع تسليم الطرفين بمناقشة مسبَقة للسلّة وتوزيع التوازنات في الحكومة وقانون الانتخاب، وهذا ما سيواجهه الحريري إذا ما نظّم «حزب الله» الخلافَ بين بري وعون، كما أنّ جعجع سيواجه تحدّياً من نوع أخر، يتمثّل بمدى التزام عون ما اتّفَق عليه قبل وبعد تفاهم معراب، ومعظم هذه الالتزامات يَرفضها «حزب الله»، ولا يستطيع عون السيرَ بها.

فماذا سيكون موقف الحريري في حال قبلَ عون بإعطاء وزارة المال إلى برّي لمدة ستّ سنوات، وكيف سيتصرّف جعجع إذا ووجِه بفيتو حقائب من «حزب الله»، وكيف ستتشكّل حكومة العهد الأولى، وفقاً لسلة بري والتزامات عون تجاه «حزب الله»، وضيق هوامش الحريري، الذي طلِب منه سعودياً أن لا يتساهل في الثلث المعطل والبيان الوزاري، وتعيين المواقع الأمنية والمالية (قيادة الجيش، حاكميّة مصرف لبنان) فيما هو مضطرّ للذهاب إلى تسوية لا تتضمّن عناصرَ الحد الأدنى من التوازن.

لحقَ الحريري بجعجع على خطى انتخاب عون، فانتهت مرحلة لتبدأ مرحلة جديدة من اختلال التوازن، وهو ما سيمهّد لسِتّ سنوات، تعيد عقاربَ الساعة إلى مرحلة ما قبل العام 2005.