يحاول سعد الحريري بعد زوبعة عودته السياسية المدوية التي قلبت وغيرت مجرى الاحداث ان يرمم الجسور التي نسفها الحريري بنفسه منذ ان وطأت قدميه ارض لبنان بعد غيابه القسري مهاجماً حزب الله والنظام الايراني، فها هو في ذكرى 14 آذار يزور قيادة اليرزة في توقيت لافت بمناسبة الذكرى موجهاً شكره ودعمه للجيش بعد ان كان حلفاؤه المفترضون في السعودية حرموا هذا الجيش من ثلاثة مليارات على شكل مساعدات عسكرية تمكن المؤسسة العسكرية من استكمال حربها ضد الارهاب. وها هو سعد الحريري يعلن استعداده ورغبة في لقاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعدما كان خصصه زعيم المستقبل بهجومات وانتقادات لقتاله في سوريا وممارسة التعطيل الرئاسي منذ قدومه الى لبنان في 14 شباط.
ولكن اذا كانت زيارة الحريري الى اليرزة تأتي في سياق مختلف عن الرغبة الحريرية في لقاء نصرالله خصوصاً ان الحريري الذي اطلق عريضة التواقيع تضامناً مع المملكة يسعى الى تلميع صورته امام المؤسسة العسكرية تقول مصادر متابعة، وفي زيادة تأكيد ما تم تسويقه بان فريق 14 آذار ليس مسؤولاً عن حرمان المؤسسة العسكرية من الهبة السعودية ولتبرئة نفسه الى حد ما من تبعات القرار السعودي وارتداداته اللبنانية السلبية وباحتماء الحريري بالجيش الذي حمى ساحات الحرية ل14 آذار قبل 11 عاماً ، فان الحريري في ايجابيات خطواته انه اكد مجدداً وقوفه في خط الاعتدال ضد الارهاب الذي يهدد لبنان ومؤسساته وهو عمد الى تحييد حزب الله من منبر اليرزة باعتباره جزءاً من مكون في هذه البلاد يفترض التعامل معه.
ولكن اذا كانت تنقلات الحريري صارت مفاجئة على شاكلة حضوره وسفره بسرعة، فهو غادر لبنان منذ 14 شباط مرتين واحدة الى السعودية واخرى الى باريس اول من امس، فان لقاءات الحريري وتنقلاته من المناطق اللبنانية كانت لافتة ايضاً، فالحريري تحدى الخطر الامني تضيف المصادر، الذي حتم اقامته سنوات في الخارج متنقلاً لمصالحة اخصامه في السياسة تمهيداً للانتخابات البلدية في طرابلس والبقاع، ولا احد يعلم كما تقول المصادر اذا ما كان التحضير لخطوة تجاه الضاحية ممكناً اذا سمحت الظروف والمعادلات الاقليمية بذلك، وفي حال وافق حزب الله على حدوث هذا اللقاء بعد التصعيد الخطير الذي مارسه الحريري والسعودية والضغط من قبل المملكة ودورها في تصنيف حزب الله ارهابياً.
فما يباعد الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله امور جوهرية واساسية بعد تصعيد التوتر بين لبنان ودول الخليج والحملة على حزب الله في دول الخليج. ويرى المشككون ان الامور لم تنضج بعد لحدوث مثل هذا اللقاء خصوصاً ان موافقة حزب الله على الجلوس مع الحريري مرتبطة بحصول متغيرات والخروج بنتائج مثمرة لا ان يقتصر على المجاملات والشكليات وان ينتج حلاً للملفات المعقدة وملف الرئاسة خصوصاً ان الحريري لا يزال متمترساً خلف دعمه لوصول فرنجية في حين ان حزب الله لا يمكن ان يفاوض احداً على رئاسة ميشال عون وحقه في الوصول الى قصر بعبدا.
من جهة اخرى فان تعقيدات الملف الاقليمي هي التي تقرر امكانية حصول اللقاء تؤكد المصادر، والظروف الاقليمية لا تزال هي هي، والسعودية ليست في وارد التراجع عن المعركة المفتوحة على حزب الله في المدى الراهن وهي تسعى الى تطبيق العقوبات وزيادة الضغوط على المقاومة، وبالتالي، فان اي لقاء بين الحريري ونصرالله في هذه المرحلة لا يحظى بمباركة او موافقة سعودية له، ورئيس المستقبل الذي عبر عن استعداده للقاء الامين العام لحزب الله قد يكون طرح ذلك من باب المجاملة ولامتصاص الاحتقان السياسي والمذهبي الذي اندلع في اعقاب حملته على الضاحية وكاد ان يتطور ويتفشى في الشارع ، كما ان الحريري ليس في وارد ان يفتح عليه باب المشاكل المادية مع المملكة في ظل تردي اوضاع وتراجع مؤسساته المالية.
وعليه فان ما قاله الحريري لا يمكن الركون اليه كمحطة ثابتة وان كان كلامه سبب ارتدادات ومناخات ايجابية خففت الاحتقان، واذا كان اي لقاء بين نصرالله والحريري غير مطروح حالياً لا في حسابات الداخل ولا في اجندة الداخل فان هذا الكلام يعطي دفعاً لطاولة الحوار ولإزالة التشنج ومنع حصول مواجهات وتدهور في الشارع في المدى القريب.
وفي مطلق الاحوال فان الوضع اللبناني يبقى مرتبطاً بما يحدث في المنطقة والتوقعات بان تكون المرحلة المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات فالانسحاب الروسي من المعركة يعني ان روسيا استبدلت المعركة بالصواريخ بالحوار على طاولة جنيف، والوضع في اليمن لم يعد يشبه نفسه بين السعودية والحوثيين والتصعيد السعودي ضد لبنان بدأ يتم احتوائه وبالتالي فان لهذه الاحداث انعكاساتها لبنانياً وارتداداتها ربما على الملف الرئاسي الذي قد يشهد حلحلة في اواخر الشهر المقبل كما تقول الاوساط.