اختلفت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى البقاع الأوسط يوم أمس، عن زياراته في السنوات السابقة، شعبياً وسياسياً. شعبياً، غابت أمس التحضيرات اللوجستية والشعبية. إذ أُعلن عن الزيارة قبل وصوله إلى مسجد الإمام علي بن أبي طالب في سعدنايل بنحو ساعة، حيث احتشد عدد من الشبان والشابات المؤيدين لتيار المستقبل، لاستقبال الحريري، والمشاركة في صلاة الجمعة التي أمّها مفتي زحلة والبقاع الغربي الشيخ خليل الميس. أما سياسياً، فلم يأتِ الحريري إلى البقاع كقائد لفريق 14 آذار، في مواجهة تحالف 8 آذار.
فهو اختلف مع القوات اللبنانية بسبب الانتخابات الرئاسية، وبدت زيارته البقاعية أشبه بمحاولة لتطويق القوات وتحالفها مع التيار الوطني الحر، من زحلة عاصمة البقاع، وخاصة بعد المعلومات المتداولة عن تجديد تعميمه على نواب «المستقبل» ومسؤوليه بالامتناع عن زيارة مقر رئيس حزب القوات سمير جعجع في معراب. محاولة التطويق هذه بانت ملامحها من خلال السعي إلى إرساء تحالف جديد بين تيار المستقبل وحزب الكتائب، وخصم الأمس الكتلة الشعبية برئاسة أرملة النائب السابق إيلي سكاف، السيدة ميريام طوق سكاف. كما أن الحريري تصالح مع خصم لدود آخر، قبل أيام، هو الوزير السابق عبدالرحيم مراد، صاحب النفوذ البارز في البقاع الغربي أولاً، والأوسط ثانياً.
بعد الصلاة في سعدنايل، والتقاط الصور مع الجمهور ومصافحته، وإلقاء كلمة ركّز فيها على محبته لسعدنايل، انتقل الحريري وسط إجراءات أمنية مشددة الى مدينة زحلة، حيث استهل الحريري لقاءاته بزيارة عضو كتلة حزب الكتائب النائب إيلي ماروني، قبل أن يلبّي دعوة رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف الى الغداء في اوتيل القادري الكبير.
مصادر مستقبلية أشارت إلى أن الزيارة مقررة من ضمن الجولات التي يقوم بها «الشيخ سعد» على جميع المناطق اللبنانية للتواصل مع جمهور المستقبل، ولمّ الشمل وفتح الأبواب التي كانت مقفلة، فأتت زيارته البقاع بناءً على دعوة من المفتي الميس ومن فعاليات المنطقة، ليجري تحديدها تزامناً مع تلبيته دعوة السيدة مريم سكاف. وأفصحت المصادر عن أن هذه الزيارة للبقاع لن تكون الأخيرة مرجحة أن يزور البقاع الغربي خلال الأسابيع المقبلة.
ولفتت مصادر مقربة إلى أن زيارة الحريري إلى ماروني أتت بعد إتصال من رئيس حزب الكتائب سامي الجميل «للوقوف عند خاطر ماروني»، ولأن هناك مساعي حثيثة للمصالحة بين الأخير وسكاف.
كما زار عضو كتلة نواب القوات طوني أبو خاطر، للوقوف عند خاطره بعد الخلل البروتوكولي الذي طاول أبو خاطر في احتفال البيال الأخير، حيث لم يُستقبل كرئيس لكتلة نواب زحلة ليكون في الصف الامامي، إذ جلست السيدة ميريم «التي لا صفة رسمية لها».
وقرأت أوساط زحلية أن تلبيته دعوة السيدة سكاف، هي عنوان تحالفي جديد بوجه تحالف «القوات ــ التيار الوطني الحر»، الذي تبلور من خلال كلمة الحريري التي استهلها بكلامه عن خلافه مع سكاف في المرحلة السابقة، إذ قال: «عندما بدأت العمل السياسي عام 2005، لم أكن أعرف ما أعرفه اليوم، وما كنا اختلفنا بالسياسة ولا بأي مكان آخر، لكن الله يسامح اللي كان السبب». وتوجه الى السيدة ميريام، التي طالبته بالسعي والعمل على إقرار الانتخابات البلدية وعدم تأجيلها، لحاجة اهالي القرى الى هذه الانتخابات، فقال: «نحن وإياكم واحد، صحيح أن زحلة بحاجة الى انتخابات بلدية، إنما زحلة بحاجة أولاً إلى انتخابات رئاسية».
أوساط عونية قللت من أهمية الزيارة وعدم تأثيرها على الواقع الزحلي، لكنها اعتبرتها التفافاً على «التحالف القواتي ـــ العوني». وهو يحاول من الزيارة «الصيد في الماء العكر»، وخاصة أن هذا التحالف الثنائي بين الوطني الحر والقوات يواجه عقبات في زحلة، بخصوص حليف «البرتقالي النائب نقولا فتوش، الذي لم تبلع القوات التحالف معه بعد». فأتت الزيارة لإعادة شد عصب جمهور الكتلة الشعبية وإعطائها دوراً طموحاً لتحالف نيابي مقبل.
وترى مصادر «فتوشية» «أن شمول إيلي ماروني بزيارة الحريري هو لإعطاء طابع تحالفي زحلي جديد بين الكتلة الشعبية والكتائب وتيار المستقبل». وأضافت المصادر: «زيارته أتت لعرض مصالحة بين ماروني وسكاف».
من جهة أخرى، تساءلت شخصيات سياسية بقاعية عن سبب غياب النائب جمال الجراح عن مرافقة الحريري في جولته البقاعية، برغم وجود جميع نواب البقاع الآخرين، غامزة من قناة اعتراض الجراح على مصالحة الحريري مع الوزير السباق عبد الرحيم مراد.