IMLebanon

مبادرة الحريري على حبل الأزمة المشدود…

 

 

مرة أخرى يُقدم الرئيس سعد الحريري على السير على حبل الأزمة المشدود، علّه يستطيع تخطي كل هذا الكمّ من الصعوبات، والوصول إلى باب الخروج للبلد من دوامة المحن التي يتخبط فيها، وأدت إلى سلسلة الإنهيارات الراهنة.

 

طريق العودة إلى السراي ليس مفروشاً بالورود والرياحين، كما يتصور البعض، بل هو أشبه بحقل مُشبّك بكل أنواع الألغام والمتفجرات، والمشاورات التي سيطلقها اليوم من بعبدا ملبدة بأجواء من الصعوبات والتحديات، ليس من السهل تجاوز عقباتها دون تقديم بعض التنازلات من كل الأطراف السياسية، والذهاب إلى حلول وسطية، ولو مرحلية، تؤمن بقاء الدولة اللبنانية على قيد الحياة، ولو في غرف العناية الفائقة الدولية والإقليمية.

 

الحريري يُدرك أكثر من غيره أن علاقاته ببعض معظم القيادات الحزبية والسياسية في حالة من الجمود أو النفور، وأن إعادة ترميم هذه العلاقات يحتاج إلى وقت ليس بقصير، ولا يتم إلا في أجواء هادئة نوعاً ما، لا في خضم السعي الحثيث والسريع لتشكيل حكومة إنقاذ، يدفع البلد الأثمان الباهظة لتعثر ولادتها من أمنه وإستقراره الإجتماعي والمعيشي، فضلاً عن النزف المالي والنقدي المتزايد، والذي أوصل الجميع إلى حافة الإفلاس.

 

إشتراط الحريري تجديد الجميع إلتزامهم بما تم الإتفاق عليه مع الرئيس الفرنسي، وما تضمنته مبادرة ماكرون من بنود للمسار الإصلاحي الموعود، قوبل بمجموعة من الشروط المضادة، من الأطراف السياسية الأخرى، في المقدمة رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي، إلى جانب ظاهرة «الدلع» من التيار الباسيلي، وإستمرار حالة «الحرد» من القوات اللبنانية.

 

فكيف سيوفق الحريري بين ما أعلن الإلتزام به، وبين تمسك الأطراف الأخرى بشروطها؟

 

هل سيقبل، مثلاً، بما رفضه السفير مصطفى أديب، وفضّل الإعتذار على الرضوخ للمطالب الحزبية والشروط التعجيزية؟

 

هل سيتخلى رئيس الجمهورية عن مبدأ تسمية وزرائه المسيحيين، وتأمين الحقائب «اللائقة» للتيار الحر؟

 

ماذا سيكون وضع الرئيس المكلف إذا أصر الثنائي على تسمية وزارئه، مع الإحتفاظ بوزارة المالية، التي أصبحت بمثابة تحصيل الحاصل بعد مبادرة الحريري قبل إعتذار أديب؟ وإذا وافق الرئيس المكلف على تسمية الوزراء الشيعة من قبل الثنائي، ماذا سيكون الوضع مع بقية الكتل التي تُطالب معاملتها بالمثل، لا سيما كتلة التيار الحر التي تضم أكبر عدد من النواب المسيحيين؟

 

المعلومات المسربة من حارة حريك تؤكد إصرار الثنائي على المشاركة في كل القرارات المالية التي يمكن أن تتخذها الحكومة العتيدة، خاصة بالنسبة لشروط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والإصلاحات المنتظرة للقطاع المصرفي، فضلاً عن سياسة الرسوم والضرائب، وما قد يتخللها من خصخصة، ولو جزئية لبعض القطاعات الحيوية، في مقدمتها الكهرباء والمواصلات.

 

والأجواء المحيطة بمقر التيار في الشالوحي، توحي بأن إحتفاظ الثنائي بالمالية، يُبرر بقاء وزارة الطاقة والنفط مع التيار، لمتابعة تنفيذ المشاريع المتوقعة لإعادة الكهرباء على مدار الساعة، وبالتالي يتم تبييض صفحة وزراء التيار في هذا الملف الأكثر شعبية في لبنان.

 

وإزاء هذه التحديات والصعوبات الداخلية، ثمة تساؤلات عن بعض المواقف الخارجية الأساسية من إحتمال عودة الحريري إلى السراي.

 

حتى الأمس القريب، كانت الأطراف العربية الفاعلة، السعودية والدول الخليجية خاصة، ترفض التعامل مع أية حكومة يُشارك فيها حزب الله، أو هي تتألف في كنف الحزب، كما هو الحال مع حكومة دياب المستقيلة، ويتماهى هذا الموقف مع قرارات العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب، والتي طالت مضاعفاتها الاقتصاد اللبناني، الأمر الذي أدّى إلى تجميد المساعدات المالية والتنموية للبنان، وسقوطه في حصار إقتصادي غير مسبوق. فكيف سيكون الوضع عليه بالنسبة للحكومة العتيدة في حال إصرار الحزب على التواجد المعلن فيها؟ وهل ستتمكن من تحقيق أي إختراق في جدار العزلة الحالية؟تلازم تحديد موعد الإستشارات النيابية مع تاريخ إنطلاق مفاوضات ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، يوحي وكأن موافقة الثنائي على إطارالتفاوض، ساهم في الإفراج عن إلإستشارات الإلزامية لتشكيل الحكومة، ولكن دون توفر ضمانات بعدم ربط الولادة الحكومية بالتقدم الذي تُحققه مفاوضات الناقورة برعاية أممية ومشاركة أميركية رفيعة المستوى. بمعنى ماذا سيكون عليه الوضع الحكومي عندما تتعثر المفاوضات على خرائط الترسيم؟

 

هنا يبرز السؤال: إذا ربح الحريري رهان التكليف الخميس المقبل،.. هل يستطيع إجتياز حواجز التأليف بعيداً عن المؤثرات الخارجية، الإقليمية والدولية؟

 

من السابق لأوانه التسرع بالإجابة على مثل هذا السؤال الذي يختصر التدخلات والتشابكات والتعقيدات على الساحة اللبنانية، لأن الأمور مرهونة بعدة عوامل، يكفي إنفجار أحدُها ليُطيح بكل ما يمكن أن يتم التوصل إليه من تسويات تسبق الولادة الحكومية، على غرار ما حصل قبل عام مع سقوط «التسوية الرئاسية» الشهيرة.

 

إختار الحريري بمبادرته السير على حبل الأزمة المشدود، والعودة إلى دور «أم الصبي»، فهل ستُلاقيه الأطراف الأخ رى في منتصف الطريق..؟