المستقبل» و«القوات».. هل ينفع الـ«بوتوكس»؟
مبادرة الحريري: فرضية المناورة تتراجع
برغم الاعتراضات التي تواجه المبادرة الرئاسية، إلا انه من الواضح ان الرئيس سعد الحريري لم يفقد بعد الامل في امكانية اعادة تفعيلها، بل هو لا يزال ينشط في كل الاتجاهات لتسويق اسم فرنجية، ما يؤكد ان هذه المبادرة لا تعبر عن اجتهاد شخصي فقط، بل تعكس قرارا اميركيا ـ سعوديا، يمدها بالوقود السياسي الكافي للتحليق أطول وقت ممكن في الاجواء الاقليمية اللبنانية، في انتظار ان تجد مدرجا تحط عليه.
وهناك في صفوف المتحمسين لطرح الحريري من يلفت الانتباه الى ان إنضاج مبادرة ترشيح ميشال سليمان الى رئاسة الجمهورية عام 2008 تطلب أشهرا من الجهد في الكواليس المحلية والخارجية، وبالتالي فان خيار فرنجية الاكثر تعقيدا سيمر حُكما في «معمودية نار» قبل ان يصبح قابلا للتسييل.
ومن يراقب سلوك الحريري منذ لقاء باريس، يشعر بانه رئيس الحملة الانتخابية للمرشح سليمان فرنجية، وليس مجرد مؤيد لخيار انتخابه، حتى كاد الرجل يخسر تحالفه مع سمير جعجع، كرمى لعيون رئيس «تيار المردة»، وهو أمر ولّد الحيرة لدى «القوات اللبنانية» التي تواجه صعوبة في هضم التحول الذي طرأ على موقف رئيس «تيار المستقبل» من الاستحقاق الرئاسي، وجعله يتخلى مجانا عن ترشيح جعجع، في حين ازداد «حزب الله» تمسكا بمرشحه العماد ميشال عون.
ولئن كانت «القوات» لا تزال تحت صدمة «خيانة» الحريري لزواج سياسي عمره عشر سنوات، من أجل «نزوة» رئاسية، إلا انها تحاول في الوقت ذاته تجنب الوصول الى الانفصال النهائي، وتسعى الى التعايش مع الامر الواقع باقل الخسائر الممكنة، انطلاقا من مقاربة شاملة تتجاوز المحطة الرئاسية.
ويؤكد أحد قياديي «القوات» ان جعجع، وبرغم المرارة التي يشعر بها، لا يزال حريصا على حماية «14 آذار»، كمكوّن سياسي وسيادي، وبالتالي فهو يتفادى «الكسر» الكلي مع «المستقبل»، انطلاقا من ان المسيحيين يجب ان يكونوا معنيين، كما الدروز والشيعة، بعدم التفريط بحالة الاعتدال السني التي يمثلها الحريري، في مواجهة الظواهر المتطرفة من قبيل «داعش» و «النصرة».
وعلى هذه القاعدة، يتطلع جعجع ـ وفق «القيادي القواتي» ذاته ـ الى حصر الخلاف بينه وبين الحريري في إطاره الموضعي، بحيث لا تسري «الغرغرينا» الرئاسية في كل جسم العلاقة السياسية، «وإذا كانت القوات اللبنانية قد نجحت في تنظيم الخلاف مع عون الذي تتباين وإياه حول خيارات استراتيجية، فيُفترض ان تكون المهمة أسهل مع الحريري الذي يجمعه بها مسار من النضال المشترك».
ويشير المصدر الى ان الاختلاف في المقاربة الرئاسية بين جعجع والحريري لا يجب ان يقود الى العداء المتبادل، متسائلا: هل يجوز ان يصطدم الإثنان من أجل فرنجية؟
لكن محاولة الاستعانة بحقن من الـ«بوتوكس» السياسي والاعلامي لإخفاء «تجاعيد» التحالف بين «القوات» و«المستقبل» لا تبدو كافية للتمويه على الحقائق الجديدة.
وهناك من يعتقد ان الثقة التي فُقدت بين الجانبين، بفعل المبادرة الحريرية، هي من نوع الخسائر التي لا يسهل تعويضها، خصوصا ان الملف الرئاسي ليس ثانويا او هامشيا في تأثيراته ودلالاته، وبالتالي فانه من التبسيط الافتراض ان بالامكان حصر الخلاف في هذا الملف، كأنه جزيرة معزولة، وإبقاء التحالف ثابتا على مستوى القضايا الاخرى!
وإزاء ثبات الحريري على مبادرته، حتى اليوم، في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من حلفائه وحتى من داخل تياره، يمكن الافتراض ان «المردة» بات مطمئنا الى ان رئيس «المستقبل» لا يناور في طرح اسم فرنجية للرئاسة وفق خشية بعض قوى «8 آذار»، «ولو هذه هي نيته المضمرة، لاستفاد من الاعتراضات الواسعة التي تواجهه، للتملص من المبادرة وإلقاء مسؤولية سقوطها على الآخرين، لكنه لم يفعل، برغم ما رتبته عليه من كلفة، بل هو يستمر في السعي الى ترميمها»، كما يؤكد المقتنعون بمصداقية الحريري وجدية طرحه.