IMLebanon

نجحت مبادرة الحريري في حل أزمة المقاطعين فهل تعمَّم لمقاربة مشكلة الإنتخابات الرئاسية؟

نجحت مبادرة الحريري في حل أزمة المقاطعين فهل تعمَّم لمقاربة مشكلة الإنتخابات الرئاسية؟

ساهمت في وقف التصعيد السياسي وأعادت كل الأطراف إلى مواقعها

تمكَّن الرئيس الحريري وبالرغم من وجوده خارج البلاد من بلورة أفكار تقاربية محددة ساهمت مساهمة إيجابية في تنفيس أجواء الإحتقان

نجح التحرّك المتواصل والهادئ لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري بين مختلف الأطراف السياسيين إلى إنجاز التسوية المطلوبة لمأزق مقاطعة الثلاثي المسيحي «التيار العوني» و«القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب» لجلسة المجلس النيابي التشريعية اليوم، في لجم إندفاعة التسابق نحو التصعيد السياسي الذي ساد في الأيام الأخيرة وإلى وقف جنوح بعض الأطراف وإعلامهم المتهوّر في تصوير الخلاف السياسي الحاصل وكأنه بين المسلمين والمسيحين على وجه العموم وهو ما يذكّر اللبنانيين بنوبات مماثلة من التحريض التي عمّت لبنان عشية الحرب الأهلية المشؤومة وفي النهاية إلى إعادة الأمور لأروقة النقاش السياسي والبحث الهادئ ضمن القواسم المشتركة لكل الأطراف.

ففي حين لم يستطع الأطراف السياسون على اختلافهم وبالرغم من حركتهم المكوكية تجاه رئيس المجلس النيابي من بلورة مشروع تسوية لمأزق المقاطعة بعد أن رفع كل زعيم حزب أو تيّار سياسي سقف مواقفه إلى أعلى مستوى وذهاب بعضهم إلى التهديد بالويل والثبور وحتى النزول إلى الشارع وما شابه كما فعل النائب ميشال عون وغيره، تمكّن الرئيس الحريري وبالرغم من وجوده خارج البلاد من بلورة أفكار تقاربية محددة، ساهمت مساهمة إيجابية في تنفيس أجواء الاحتقان السائدة بسرعة كبيرة وشكلت مخرجاً ملائماً لكل الزعماء والسياسيين الذين حشروا أنفسهم في بوتقة مواقف متطرّفة كادت أن تسدّ كل الأبواب ومخارج الحلول وتهدّد بردّات فعل غير محسوبة من قبل الآخرين بما يضع البلاد مجدداً في أجواء ملبّدة وغير محمودة العواقب.

ولا شك أن بنود التسوية المخرج المنتقاة بمسؤولية حددت بوضوح مبررات وظروف المشاركة في جلسة التشريع النيابية وضرورة الفصل بين الحضور للتأكيد على الاهتمام بإقرار القضايا والمسائل الضرورية الملحّة على الصعيدين المالي والانمائي وتلبية مصالح النّاس والحفاظ على سمعة لبنان الخارجية، وإعادة التأكيد على عدم حضور مثل هذه الجلسات مجدداً إذا لم يكن مشروع قانون الانتخابات الجديد مدرجاً على جدول اعمالها مع الالتزام بالتصويت على مشروع قانون الجنسية لدى طرحه، أعاد الأمور إلى نصابها واسقط كل الحجج والذرائع التي تلطى وراءها البعض لإعلان مقاطعته للجلسة بعد همروجة المواقف والتصريحات الأخيرة لأن الخلط بين المسائل والقضايا الحيوية الملحّة مع المسائل الخلافية كمشروع قانون الانتخابات وقانون الجنسية أعطى انطباعات ملتبسة للناس، وكأن كل ما هو مطروح على جدول اعمال الجلسة هي مسائل وقضايا خلافية وسياسية تخص اطرافاً دون أخرى، في حين ان ما يهم الأطراف المقاطعين لم يدرج على جدول الأعمال ومهمل عن قصد كمشروع قانون الانتخابات والجنسية انطلاقاً من تهميش هذه المطالب لأسباب قد تبدو للبعض لاستمرار تكريس تمسك المسلمين بقانون الانتخابات الحالي الذي يعطي أرجحية لزعاماتهم لإيصال أكبر عدد من المرشحين على لوائحهم إلى سدة المجلس النيابي الجديد كما حصل في الانتخابات السابقة.

استطاع الرئيس الحريري بحركته المتجددة التأكيد بأن الخلاف السياسي مهما كان مستحكماً يمكن احتواؤه بالتصرف المسؤول والمواقف الحكيمة والخطاب السياسي الهادئ وضمن الأطر الدستورية مع مراعاة هواجس كل طرف والأخذ بالملاحظات والمطالب المطروحة في إطار الحفاظ على صيغة العيش المشترك بين كل اللبنانيين ومشاركة النّاس في همومهم ومشاكلهم، في حين ان تحول الاختلاف السياسي إلى خلافات وخصومات مستحكمة ومقاطعة لا ينتج عنها الا مزيد من التباعد والكراهية وتراكم المشاكل وصعوبة في الاهتمام بمطالب المواطنين الحياتية والضرورية وزيادة في شلل وتعطيل المؤسسات الدستورية وادارات الدولة عموماً.

وانطلاقاً من قناعته بانتهاج اسلوب الحوار والتقارب لحل الخلافات السياسية بدلاً من اللجوء إلى التمترس كلٌّ في موقعه أو اعتماد الترهيب بالسلاح كما درج على ذلك «حزب الله» باستمرار، تمكن من إقناع مختلف الأطراف بالقبول بالمبادرة المقترحة، على أمل أن تشكل هذه التسوية واقعاً سياسياً جديداً يمكن من خلاله فتح آفاق الحوار المسدود بين مختلف الأطراف في اتجاه القضايا والملفات الخلافية الموصدة وفي مقدمتها انتخابات رئاسة الجمهورية التي تشكّل مفتاح حل تعطل المؤسسات الدستورية وإعادة انتظام حركة الدولة بكل مفاصلها والانتقال من خلالها إلى الخوض في الملفات الخلافية المهمة الأخرى ومنها سلاح «حزب الله» وكيفية حل مشكلته التي ما تزال أم المشاكل في لبنان كلّه.

وفي الخلاصة، يمكن القول أن الرئيس الحريري تصرّف انطلاقاً من موقعه كزعيم لتيار المستقبل وتحرك في اللحظة المطلوبة لكبح جماح الأزمة السياسية قبل استفحالها، كما تحرّك من قبل وبكل مسؤولية وثبات في احتواء أزمات مماثلة سياسية وأمنية، كما حدث في عرسال وطرابلس وصيدا ونهر البارد وغيرها وأظهر التأثير الملموس لدوره وتأثيره في حل هذه الأزمات واحتواء مفاعيلها قبل استفحالها وقد نجح هذه المرة أيضاً.