يوماً بعد يوم يتبيّـن أنّ الإعتدال هو الرابح الأكبر في لبنان، صحيح أنّ البعض يظن أنه بالتطرّف يستطيع أن يحصل على مراكز، وصحيح أيضاً أنّ للتطرّف جمهوراً، وله صفات منها أنه يستطيع أن يقود صاحبه بسرعة هائلة الى القمة، ولكن للأسف يكون السقوط عندما يحين موعده، أسرع من الصعود.
وصحيح أيضاً أنّ الرئيس سعد الحريري عانى ما عاناه بسبب قراره القبول بحكومة الرئيس تمام سلام التي يشارك فيها “حزب الله”، يومها كان الحريري يخشى أن يبقى البلد في فراغ رئاسي… وتبيّـن أنّ هذا كان صحيحاً، وقد أدّى غياب التوافق السياسي بين مكوّنات البلد الى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية طوال سنتين ونصف السنة، فماذا كانت حال البلد لولا وجود الحكومة؟
وقد تعرّض الحريري لهجوم عنيف من المزايدين ليتبيّـن أنّه كان على حق.
مرّة ثانية تأكدت أهمية الإعتدال، عندما أيّد الدكتور سمير جعجع العماد ميشال عون إثر “اتفاق معراب”… فإذا كان المسيحيون اختاروا مَن يمثلهم فكيف يمكن للشريك في الوطن (المسلم) ألاّ يقبل باتفاقهم، صحيح أنّ الرئيس هو للبلاد كلها، ولكنه بالنتيجة مسيحي، وصحيح أنه لا يمكن انتخابه من دون المسلمين ولكن الأمر يبدأ بتوافق مسيحي، وبعد سنتين ونصف السنة انتخب العماد عون رئيساً، ثم أجريت الاستشارات وتألفت الحكومة بسرعة بينما كان تأليفها يستغرق ما بين 8 و11 شهراً، وكان عنوانها الأساسي: النأي بالنفس.
في الواقع لم يتصرّف “حزب الله” كما هو متفق عليه حول النأي بالنفس، فتحمّل الرئيس الحريري ما لا يتحمّله إنسان من معاناة على الأصعدة جميعها، خصوصاً بالنسبة الى جمهوره وشعبيته.
أمر آخر: الشريكان المسيحيان لم يساعدا الحريري في اعتداله، كل منهما على طريقته.
أمام هذا الواقع وسلبياته وقعت المحنة لتبيّـن أنّ الرئيس الحريري أصبح أكثر من ضرورة للإستقرار في لبنان، إذ لا استقرار من دون الرجالات المعتدلة.
صحيح أنّ الرئيس الحريري صبر وتحمّل أكثر من الكثير ولكن هذا كله جاء ليؤكد على أن لا خيار أمام اللبنانيين إلاّ بالاتفاق مع بعضهم البعض.
وفي النهاية الرابح هو الوطن.
عوني الكعكي