«فيك الخصام وانت الخصم والحكم» ربما يجسد عجز البيت الشعري لابي الطيب المتبني واقع الحال في الخلاف الناشئ بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، فالاول يرفض ان يبدي ليونة والثاني يرفض التنازل في مسألة الدعوة لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، فعون لن يوقع هذا المرسوم الا بعد التوافق على قانون انتخابي، فيما الثاني يتمسك بالمادة 33 من الدستور التي تنص على الزامية فتح الدورة الاستثنائية اذا طالبت الاكثرية النيابية بها في وقت اعتبرت فيه اوساط مقربة من القصر الجمهوري ان المسألة لا تتعدى الهرطقة الدستورية وسط كلام عن ان الايقاع بين عون وبري يقف وراءه موظف من العصور السابقة اوحى لعين التينة بان رئيس الجمهورية وقع المرسوم «وانه على الطريق» دون معرفته بالموقف الحقيقي لعون وفق ما تناقلته بعض المواقع الالكترونية.
واذا كان العقد العادي لمجلس النواب قد انتهى ولامست الجمهورية حدود الفراغ، الا ان المؤشرات تبعث على التفاؤل وفق المواكبين لمخاض القانون الانتخابي الذي اعده النائب جورج عدوان الذي نجح في السير وسط حقل من الالغام واعلان رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع ان 95% من القانون قد انجز وتبقى بعض التفاصيل قيد المعالجة، كما ان اصرار عون على التأكيد ان الانتخابات النيابية ستحصل على اساس قانون النسبية، فيبدو وفق الاوساط نفسها ان عملية عض الاصابع اوشكت على وضع اوزارها، وان العيون شاخصة على الافطار الذي سيقيمه رأس الدولة في القصر الجمهوري والذي سيجمع اركان السلطة باجمعها وفي طليعتهم بري وسط توقعات بان الخلاف بين الرئاستين الاولى والثانية في طريقه الى الانحسار، وان المدعوين سيفطرون على قانون انتخابي طال انتظاره، الا اذا حصل ما لم يكن بالحسبان فيطيح بكل شيء وربما بالجمهورية باسرها، وهذا الامر ربما يدخل خانة المحظورات في لعبة توازن الرعب.
واذا كان خلاف عون وبري خلافاً مسيحياً – شيعياً في المظهر، الا انه خلاف على مكاسب وحقوق بين الرجلين اضافة الى انها تتصل بذيول علاقات شخصية متوترة بينهما منذ عودة جزين الى فيء العباءة البرتقالية وطلاقها مع المصيلح، ولعل البارز ان رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط نأيا بنفسيهما عن الدخول في عراك سياسي ليس في مصلحة احد لا سيما وان المرحلة هي الاكثر استثنائية في تاريخ البلد والمنطقة، ولعل اللافت ان الحريري آثر التنازل عن الكثير وقبوله بالنسبية التي كان يعتبرها شراً مطلقاً بهدف تمرير المرحلة بالحد الادنى الممكن من الخسائر ربما على قاعدة «لا احد اكبر من بلده»، وهو الشعار الذي اطلقه والده الشهيد رفيق الحريري في ايام العزّ، فالحريري اليوم يمارس السياسة على خلفية لا عداوات مع احد، وايا يكن شكل القانون الانتخابي فانه يعوّل على الوصول الى البرلمان باكبر كتلة نيابية ولو خسر مقعداً او اكثر لدى اجراء الانتخابات النيابية.
واذا كان الحريري مستكيناً الى درجة ادهش فيها اخصامه وحلفاءه فان جنبلاط الذي يلتزم الصمت ويلزم به كل من حوله يشكل القانون الانتخابي آخر همومه فهو مرتاح لعلاقته التاريخية مع برّي ومفاعيلها اما الهم الاساسي لدى الزعيم الدرزي، فيتمثل بالمجريات في المنطقة وحدائقها الكبيرة في لعبة الامم ويجهد لمعرفة ماذا تخبئ لعبة الامم للاقليات ومصيرها الوجودي وزيارته للفاتيكان ولقائه البابا فرنسيس ومن بعده وزير خارجية الحاضرة البابوية يصب في هذه الخانة لا سيما وانه قلق من اقامة دولة درزية في الجنوب السوري من درعا مروراً بالسويداء وصولاً الى القنيطرة لاستخدامها منطقة عازلة من قبل اسرائيل وربما تمددت لتشمل مقلب جبل الشيخ من الجهة اللبنانية وما يعني ذلك وفق الحسابات الجنبلاطية على الساحة المحلية.