قدر ما يبدو المشهد الداخلي مشوباً بالإحتقان والتوتّر على وقع التطوّرات الدراماتيكية المتسارعة في ملفات المنطقة، إلا أنه وبالإستناد إلى الوقائع السياسية في الساعات الـ48 الماضية، فإن المشهد يبدو مستقرّاً من ناحية تقاطع المواقف التي كشف عنها أكثر من مسؤول التقى الموفدين الغربيين والإقليميين في الأسبوع الماضي، إذ أنهم أكدوا في كل لقاءاتهم على تحييد لبنان عن تردّدات الأحداث المفصلية التي ستحصل في الأشهر المقبلة.
لكن ذلك لم يمنع جهة سياسية مشاركة في المحادثات التي جرت، من إبداء قلقها من استمرار الجمود الإقتصادي المسيطر على البلد، لافتة إلى تساؤلات سُجّلت من قبل موفدين غربيين، حول السبل الآيلة لدفع عجلة الإقتصاد إلى الأمام. وفي هذا الإطار، كشفت الجهة نفسها، أنه من الصعوبة أن يحظى لبنان بمكرمات وودائع مالية على غرار ما كان يحصل في السابق، نظراً للظروف المحيطة بالخليج وبالعالم العربي وعلى المستوى الدولي، بمعنى أن هناك انكماش إقتصادي عالمي، وأن الحروب في اليمن وسوريا والعراق أنهكت هذه الدول، ولذلك، لا يعوّل أحد في لبنان على هبات وودائع على غرار ما كان يجري في بعض المراحل.
وفي سياق متصل، علم أن الرئيس سعد الحريري، وبعد نيل حكومته الثقة، سيقوم بجولة إلى عدد من الدول الخليجية والأوروبية لمتابعة نتائج مؤتمر «سيدر الأول»، وجلب المزيد من الإستثمارات والدعم للبنان، ولكن في المقابل، نقل بعض النواب عن سفراء غربيين وعرب، أن المجتمع الدولي لم يعد بإمكانه تقديم أي دعم للبنان من دون شروط ومتابعة ومواكبة دقيقتين، وإن كان المجتمع الدولي متفهّماً لخصوصية لبنان واعتباراته ويقدّرها ويأخذها بعين الإعتبار، بينما الواقع على الأرض، وبفعل المتابعة لهذه الأمور، فإن هناك متغّيرات كثيرة حصلت من الأميركيين والأوروبيين تجاه لبنان، بحيث باتت الشروط السياسية تتخطى قدرة لبنان على الإلتزام بها، وفي هذا الإتجاه، ثمة سفير غربي يرى أن عدم مشاركة لبنان في مؤتمر «وارسو» لم يكن قراراً صائباً، حتى أنه قال لمسؤولين لبنانيين، أن حضور لبنان أكثر من ضروري، خصوصاً وأن ملف النازحين يحتاج إلى الدعم من الدول التي شاركت في مؤتمر «وارسو».
من هذا المنطلق، فإن الدعم الخارجي يبدو صعب المنال، حيث أكدت الجهة السياسية نفسها، أنه على الجميع قراءة ما حصل في الأيام القليلة الماضية من سباق من دول محورية لها صلة بالملف اللبناني، ما يعني عودة لبنان إلى ساحة مرتبطة بالمناورات السياسية في دول المنطقة، لأن البعض لا يرى أن لبنان قد تعافى وبإمكانه مدّه بالدعم، لأن الصراع السياسي لا زال قائماً، والأجواء الإنقسامية السائدة في لبنان بين مكوّناته السياسية والحزبية، تشكّل بيئة خصبة لأي استثمار أو توظيف أمني من قبل العديد من الأطراف، وبشكل خاص من المنظمات الإرهابية، كما من قبل أطراف تترقّب اللحظة المناسبة لإشعال فتيل التوتّر في الشارع.