يبدو أن الشغور الرئاسي مرشّح للتمديد، والأزمة السياسية مرشحة لمزيد من التعقيد، طالما بقي التعطيل يدور في الحلقة المُفرغة المعروفة اختصاراً: عون رئيساً.. أو لا رئيس!
جلسة بعد غد الأربعاء لن تختلف عن سابقاتها الخمس والأربعين: لا نصاب.. لا انتخاب.. لا رئيس.. ولا جمهورية قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة!
وتعطيل الجلسات الانتخابية، المستمر منذ سنتين وأربعة أشهر، لم يعد تهمة، تتقاذفها الأطراف السياسية، بقدر ما أصبح نهجاً ثابتاً في أداء التيار الوطني الحر، وحليفه اللصيق «حزب الله»، رغم محاولاتهما المستمرة بتحميل الرئيس سعد الحريري مسؤولية تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس العتيد!
ومع عودة رئيس تيّار المستقبل إلى بيروت، عشية موعد الجلسة الانتخابية المقبلة بعد غد، راحت مصادر التيار العوني ومنابر الحلفاء الإعلامية، تربط عودة الحريري بنزول نواب كتلته البرلمانية الوازنة إلى مجلس النواب، والمساهمة في توفير نصاب الثلثين، والمشاركة في انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية!! وكأن غيابه كان سبب التعطيل!
وغنيّ عن القول أن أصحاب هذه الحملة الإعلامية المركزة، هدفوا إلى الإيحاء للرأي العام، وخاصة لجمهور الحريري، بأن رئيس «المستقبل» تراجع عن موقفه المعارض لوصول عون إلى قصر بعبدا، ووافق على التصويت لمصلحته - كذا - وذلك بعد أسابيع طويلة من الحملات السياسية والإعلامية التي حاول منظموها تحميل الحريري مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية!
فهل الرئيس سعد الحريري هو المسؤول فعلاً عن التعطيل؟
* * *
لسنا في وارد السجال المملّ والمتكرر حول الخطوات الكبيرة التي اتخذها الحريري تسهيلاً لإنهاء الشغور الرئاسي، والتي انطوت على تنازلات موجعة، أوصلته إلى مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية، فضلاً عن حواره المسبق مع العماد عون، والذي لم يصل إلى خواتيمه السعيدة، إلى جانب حضور نواب كتلته كل الجلسات الانتخابية، فيما كان نواب كتلة عون وحلفاؤهم يصرّون على تعطيل النصاب!
مسؤولية الحريري، بالنسبة للتيار العوني وحزب الله، تكمن في عزوفه عن تأييد جنرال الرابية، ورفضه الخضوع لشروط الإذعان، مقابل عودته إلى السراي الكبير!
لم تنفع التنازلات التي قضت بالتخلي عن مرشحي 14 آذار: الرئيس أمين الجميل و د. سمير جعجع، ولم يلاقِه أحد إلى منتصف الطريق عندما تحمّل أعباء ترشيح أحد أقطاب 8 آذار، ليفتح ثغرة في حائط الشغور الرئاسي السميك، ولم يُشجّع تجاهله للمرشحين الوفاقيين، الفريق الآخر على التجاوب مع خطوات إنقاذ الدولة وإنهاء الأزمة التي اقترحها الحريري في إطار تسوية وطنية مشرّفة للجميع!
ولم يعد سراً أن التيار والحزب حاولا التلويح برئاسة الحكومة، وكأنها مخرج للضائقة المالية التي يمرّ بها، لأسباب معروفة، وتصوير رئيس أكبر كتلة برلمانية وكأنه يسعى إلى رئاسة الحكومة بأي ثمن، ليباشر بحل أزمته الخانقة!
ولكن ثبات الحريري على موقفه المعارض للتفريط برئاسة الجمهورية، أجهض هذه الحملة الخبيثة، وكشف أهدافها الرخيصة، وجاء الرد الحاسم عبر مزيد من التنسيق مع القيادات الوطنية الوازنة، وفي مقدمتها الرئيس نبيه برّي والزعيم وليد جنبلاط ، وطبعاً حزب الكتائب والقوى المسيحية المستقلة.
فهل يكون الحريري هو المسؤول عن التعطيل فعلاً أم زوراً؟