Site icon IMLebanon

الحريري جادٌّ في ما فعَل: «لقد كان عليّ أن أبادر ففعلت»!

في ظلّ رغبات البعض بأن يكون «لقاء باريس» على شكل «إشاعة ومرقِت» هناك مَن يتحدّث عن تفاهمات أعمق. وهي التي جاءت بسيناريو من خلف الحدود شاركت في صياغته الرياض التي أعطت الضوءَ الأخضر، وبقي التثبُّت من وجود إشارة أخرى من طهران أو الضاحية للتأكّد من صحّة ذلك ليُبنى على الشيء مقتضاه. فما الذي أوحى بذلك؟

يصِرّ الداعون إلى التعاطي مع لقاء «باريس» بكثير من الجدّية وخصوصاً لجهة ما يمكن أن ينتجَه على التروّي في قياس حركة الأطراف والمواقف. ففي الكواليس عملٌ موازٍ لم يطفُ على السطح، ذلك انّ اللقاء لم يكن لقاءً اجتماعياً ولا بالصدفة.

فالروايات التي تحدّثت عن مشوار الفكرة التي انطلقت من عوكر حيث كان يستقر السفير الأميركي السابق دايفيد هيل الى الرياض وربّما إلى طهران مروراً بالمراحل الأخرى التي عبَرتها من الضاحية الجنوبية وعين التينة إلى المختارة وبنشعي فبكفيا فباريس، توحي بأن شيئاً ما قد تحَقّق.

وإنْ صحّ ما نُقل عن الرئيس الحريري أنّه اتّخذ قراره بتأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية وأنّه سيفعل ما بوسعه لوصوله، مستنداً إلى توافقات إقليمية ودولية عبَرت بالرياض وعواصم ومرجعيات أخرى اعتادت التعاطي في هذا الإستحقاق وقد حان أوان الانتهاء من حال الشغور الرئاسي، فإنّ على الجميع أخَذ ذلك في الاعتبار.

ففي سلسلة اتصالاته التي أجراها مع قيادات وشخصيات لبنانية أعقبَت لقاءات باريس مع رئيسَي الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط والكتائب اللبنانية سامي الجميّل ظهرَ أنّ الحريري واثِق ممّا يقوم به وأنّه اتّخذ خيارات نهائية ولا بدّ مِن تسويقِها بالتشاور مع الجميع. وهو لم ينُبس بكلمة واحدة ليعتقد محدّثه أنّه صاحب القرار الأوّل والأخير، «وإن كان عليه ان يبادر فقد فعلَ ذلك».

ويعترف الحريري انّ امامه الكثير من العقبات، لكنّه جنّد كلّ ما لديه من طاقات لعبور المرحلة. فهو يعرف حجم الحساسيات الوطنية ولا سيّما على المستوى الماروني، وهو ما عبّر عنه في اتصالاته من خلال سؤالين اساسيين انطلق منهما ليبرّر «الطحشة» بفرنجية.

الأوّل: هل إنّ البلد يحتمل المزيد من الفراغ؟ وهل يمكن ان نواكب ما يجري في المنطقة بأشباه مؤسسات مشلولة ومعطلة وبنزاع على الصلاحيات كرّس حجماً مِن الأعراف التي لا نعرف كيف نقاربها في كلّ مرّة يداهمنا استحقاق مالي أو اقتصادي أو دولي.

والثاني: هل تريدون رئيساً بالفعل ينهي الشغور في قصر بعبدا لتنتظمَ العلاقات بين هذه المؤسسات ولتعود الى ممارسة أعمالها؟ وألا تريدون القيام بما علينا لنلاقي المظلّة الدولية التي تحمي لبنان رغم كلّ ما يجري في محيطنا ولمواجهة ما يمكن ان يكتب لمستقبلنا في هذه المنطقة ونحن من دوَل الجوار السوري والأكثر تأثّراً بما يجري فيها؟

في الردود على هذين السؤالين سَمع الحريري آراء مختلفة، فمنهم من باركَ على اساس انّ ملءَ الشغور اولوية أياً كان من سيتبوّأ الكرسي في بعبدا. فثنائية معراب – الرابية سَقطت، والبلد لم يعُد يحتمل، وسيكون علينا نحن اللبنانيين ان نبني علاقاتنا الداخلية من جديد فنكبر بحجم التوافق والدعم الذي يمكن ان يَحظى به الرئيس العتيد أياً يكن.

فبعبدا ستعطيه ما يحتاجه من شرعية، وما علينا سوى دعمه بما أوتينا من قوّة توازي ما منحَه إيّاه الدستور متى كنّا على استعداد لإعادة قراءته وإنهاء مرحلة التناتش في البلد.

وقال آخرون للحريري نحن مع ملء الشغور الرئاسي بالتأكيد. فالشغور قاتل كما أثبتَت الأشهر الماضية وقد باتَت البلاد على شفير إعلانها دولةً مارقة أو فاشلة، ولكن لا يمكننا ان ننَصّبَ سليمان فرنجية في قصر بعبدا والعالَم أجمع يريد إبعادَ الرئيس السوري بشّار الأسد من دمشق.

ردّ الرئيس الحريري بمنطق يشير الى انّ على اللبنانيين الإفادة من الفرصة الحالية بوجود تفاهم ينهي الحال الغريبة التي تعيشها البلد. وألمحَ الى انّ المستقبل سيَشهد على متغيّرات كبرى لا يمكن من خلالها النظر الى فرنجية من هذه الزاوية بالذات، فهو من الأقطاب الموارنة الأربعة الذين كرّستهم لقاءات بكركي برعاية وبمبادرة من البطريرك الماروني، ولم نأتِ بأحد من خارج السرب الماروني.

وأمام خريطة المواقف التي تُقاس بـ»ميزان الجوهرجي» يَعتقد من تابع كلّ هذه الإتصالات في شكلها ومضمونها انّها رسَمت مخرجاً محتملاً إلى إنهاء الشغور الرئاسي، وأنّ ما جرى أولى الدعسات على طريق طويل وشاقّ لا يمكن عبوره إلّا بأكثرية موصوفة.

ولكن ما ينقص هو التثبُّت من دور إيراني إيجابي تترجمه الضاحية الجنوبية بشكل من الأشكال، وكما تقول عملية توزيع الأدوار للتثبّت من وجود خطوات جدّية للخروج من نفَق الاستحقاق، وما علينا سوى الانتظار لربّما لن تكون اللحظة الحاسمة بعيدة جداً!.