إذا كانت ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أعادت إحياء خطاب فريق 14 آذار الذي التقى في صورة إعلامية رسمية، فهي لم تحقّق الأهداف الفعلية المنشودة في لمّ شمل أقطاب هذا الفريق، كما قواعده الشعبية، في ضوء التباعد العميق في مقاربة الإستحقاق الرئاسي. فالرسائل السياسية المتعدّدة الإتجاهات التي تضمّنتها كلمة رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في «البيال» عصر الأحد الماضي، طغت على واقع داخلي مربك في فريق 14 آذار، ووسّعت دائرة المشاورات كما التقارب بين أكثر من قطب سياسي فاعل في الملف الرئاسي، وهو ما رأت مصادر نيابية «مستقبلية» مقاربة واقعية وجدّية وعاقلة لكل تشعّبات وتفاصيل العلاقة ما بين الحلفاء الآذاريين بعد التوتّر الذي أصابها نتيجة «تفاهم معراب»، ودعم الدكتور سمير جعجع لترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وبرأي هذه المصادر، فإنه، وخلافاً للأصداء التي سُجّلت في الساعات الماضية حول بعض ما ورد في خطاب الحريري، فقد حقّقت الذكرى، كما العودة المفاجئة لرئيس «التيار الأزرق»، صدمة إيجابية كافية لتكون الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل بهدف لملمة الصفوف في قوى 14 آذار، وأعادتها لتكون تجربة ديمقراطية إستثنائية يتحالف فيها أكثر من فريق، ومن دون أن يتخلّى أي واحد عن هامش الحرية في التعبير والأداء السياسي، تزامناً مع السعي لحمايتها من ارتدادات العواصف الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، وتهدّد هذه التجربة في الدرجة الأولى.
وفي السياق نفسه، تحدّثت المصادر النيابية في تيار «المستقبل»، عن تحوّل نوعي سيبدأ بالبلورة في الأسابيع المقبلة على صعيد الحراك الرئاسي بشكل خاص، وذلك انطلاقاً من عملية إعادة الروح إلى حركة 14 آذار وتثبيت عناوينها وجمع مكوّناتها صفاً واحداً للعمل من أجل تحقيق العنوان الرئيسي الذي حمله خطاب الحريري، وهو ملء الفراغ الرئاسي الذي طالت مدته وبدأ يهدّد الكيان كله. وكذلك، فإن المراجعة النقدية التي دعا إليها، هي خطوة ضرورية، كما أضافت المصادر نفسها، التي أقرّت بوجود تراكم للأخطاء، أدّى إلى ما يشبه التباعد داخل مكوّنات فريق 14 آذار، ولكنها أوضحت أن ظروفاً قاسية مرتبطة بغالبيتها بالوضع الإقليمي، قد أرخت ظلالاً قاتمة فوق لبنان، وأصابت كل مكوّناته وأطرافه السياسية، وليس فقط هذا الفريق. وبالتالي، فإن الأسابيع المقبلة تحمل أهدافاً جديدة محورها الإستحقاق الرئاسي على قاعدة «الشراكة الوطنية والإحتكام إلى اتفاق الطائف»، ومن هنا، فإن حركة الحريري بعد احتفال «البيال» تركّز على توفير النصاب في جلسة الإنتخاب الرئاسي في 2 آذار المقبل، حيث يجري العمل على إبقاء خارطة التفاهمات الرئاسية، كما الترشيحات، على حالها، مع مراعاة التنافس الديمقراطي بين المرشحين .
وخلصت المصادر «المستقبلية» ذاتها، إلى أنه كما حرّكت مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية ركود الإستحقاق الرئاسي، فها هي اليوم حركة الحريري تعيد هذا الملف إلى الواجهة، بعدما كان غرق في المراوحة نتيجة استقرار المواقف من جهة، والتسليم من قبل بعض الأطراف الداخلية بضرورة ترقّب الوضع في سوريا من جهة أخرى. واعتبرت أن فكّ الإرتباط بالخارج والعودة إلى «اللبننة» يشكّل جوهر الحراك الدائر اليوم، وذلك من خلال ترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها، وصولاً إلى إخراج لبنان من أزمة الشغور المستعصية.