الهجوم العنيف الذي شنّه قياديون ومناصرون للقوات اللبنانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد خطاب الرئيس سعد الحريري أمس، لم يكن الإشارة الوحيدة الى التصدع الذي ضرب فريق 14 آذار وهو لما يزل في الحادية عشرة. مشاهد عدة في احتفال البيال كانت كافية لتظهير صورة المناسبة المتصدّعة، سياسياً وتنظيمياً وشعبياً.
حجم القاعة التي احتضنت الذكرى تقلّصت الى نصف ما كانت عليه العام الماضي تقريباً. على أحد مداخلها الأربعة، وقف الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري مستقبلاً الوفود. قبل ساعة من بدء الاحتفال، كانت القاعة التي تسع نحو 2000 شخص قد ضاقت بالحاضرين. يدخل الرئيس أمين الجميل والرئيس فؤاد السنيورة ويحظيان بتصفيق، لكنه بقي أقل من الحفاوة التي حظي بها الوزير نهاد المشنوق والنائب «المخلوع» من تيار المستقبل خالد ضاهر ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل. الوزير أشرف ريفي، الذي عادة ما يحظى بترحيب حار لدى دخوله مثل هذه المناسبات، «تعاجله» فور دخوله مجموعة من «كشّافة لبنان المستقبل»، بهتافات «سعد. سعد. سعد». يسأل أحد المنظمين زميلاً له: «قولك وصلت الرسالة؟». لم يسمع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته النائبة ستريدا جعجع، هتافات الترحيب المعتادة من جمهور المستقبل. ما بعد «خطيئة» تفاهم معراب ليس كما قبلها. لكن ذلك لم يفتّ في عضد مستشارة «الحكيم»، أنطوانيت جعجع، فتصرفت كما لو أنها أحد المنظّمين، ما أثار حنق المنظمين الفعليين الذين شابت عملهم شوائب كثيرة، كما حدث مع ممثل السيد علي فضل الله الذي غادر القاعة لعدم وجود مقعد له.
عند الخامسة إلا ربعاً، أُبعد الجميع عن مدخل الشخصيات السياسية. استنفر عناصر الأمن، وزُرك الصحافيون في زاوية، وفرضت القوة الضاربة سطوتها على الجميع. يدخل الرئيس سعد الحريري فتنفجر القاعة صراخاً وحفاوة. يسير «وريث الدم» ملوّحاً بيده إلى الجمهور، وبينه بعض من موظفيه ممن لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر. تدور الأسئلة: «جاب مصاري معو»!
الى الصف الأول ليبدأ «مشوار العناق والقبل» الذي لم يستثن منه أحداً… تقريباً. العناق الطويل، المبالغ فيه، مع جعجع بدا كأنه غسل للقلوب بعد تطورات الشهور الماضية. لكن «الشيخ»، بعد قليل، سيحرج حليفه السابق من على المنبر عندما سيذكّره، لائماً، بما كان سيوفّره على المسيحيين واللبنانيين لو تصالح مع العماد ميشال عون «منذ زمن بعيد». ملاحظة لم يجد «الحكيم» أمام إحراجها إلا الغرق في ضحكة طويلة… مصطنعة. قبل أن يمعن الحريري في إحراجه ثانية، عندما دعا قادة 14 آذار الى المنبر لالتقاط صورة. هناك، احتفى صاحب المناسبة بالشيخين أمين وسامي الجميل، مديراً ظهره لـ»الحكيم».
غضب قواتي
وصل على مواقع التواصل إلى حد التعرض لرفيق الحريري
في خطابه، بدا الرجل أكثر تمكناً، لغةً وأداءً، ورغبةً في التفاعل مع جمهوره: «حبيب قلبي» قال في إحدى المرات مخاطباً أحد «الهتّافين»، ومتعمّداً تفخيم القاف على الطريقة البيروتية. ولأن «الجمهور عاوز كده»، تصويب اعتيادي على إيران وحزب الله، من دون أي إشارة الى الحوار الثنائي الذي يجمع الأخير وتيار المستقبل في عين التينة، ثم ثناء، اعتيادي أيضاً، على السعودية ودورها في لبنان والمنطقة. وبعد الحديث عن «التذاكي الدبلوماسي، وتعريض مصالح لبنان للخطر»، منتقداً وزير الخارجية جبران باسيل، من دون أن يسميه، وفي حضور الوزير الياس بوصعب وممثل عون النائب ادغار معلوف ممثلاً العماد ميشال عون، انتقل الى «بق البحصة» مقدّماً روايته لمسار الملف الرئاسي قبل الوصول الى لقائه في باريس مع النائب سليمان فرنجية… إلا أنه لم يصل إلى حد الترشيح العلني للأخير، داعياً النواب للذهاب الى مجلس النواب لانتخاب أحد المرشحين «الثلاثة وربما غيرهم»: عون وفرنجية «والنائب هنري حلو»، ذاكراً اسم الأخير مع ابتسامة عريضة.
وختم بالدعوة إلى «مراجعات نقدية داخلية، بهدف حماية هذه التجربة الاستثنائية» لـ 14 آذار.
باستثناء محاولة موظفيه الناقمين على تأخر رواتبهم الاقتراب من المنصة فور انتهاء كلمته للمطالبة بمستحقاتهم، ما أثار بلبلة واستدعى تدخلاً أمنياً سريعاً، بدت الذكرى أمس «هزيلة»، وخالية من السقوف العالية في ظل المتغيرات الإقليمية التي لا تصب في مصلحة المحور «المحشور» داخل قاعة البيال. صدحت حناجر أعضاء الأوركسترا بأغنية «طلعنا على الضو… طلعنا عالحرية»، فيما كان قادة 14 آذار أكثر المدركين بأن حلفهم بعد 11 عاماً على الذكرى، لم يطلع إلا على… الخسارة والخيبات. وأول غيث الخيبات كان في تغريدات لقياديين في القوات، عقب انتهاء الاحتفال، حملت انتقادات عنيفة لـ»خطاب الولدنات العديمة الفائدة»، ووصلت إلى حدّ التعرض لصاحب الذكرى الذي «اعتقل سمير جعجع وشرّع الاحتلال وحكم تحت مظلته من 1990 حتى 2005»!