ثمّة إجماع في كلّ الأوساط السياسية المعنيّة بالاستحقاق الرئاسي وغير المعنيّة على أنّ مصير هذا الاستحقاق لن يتحدد قبل أن يقول الرئيس سعد الحريري كلمته في موضوع ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون تبنّياً له أو إحجاماً عنه.
والى أن يقول الحريري كلمته فإنه حسب بعض السياسيين في فريقه وخارجه لا بد أن ينتظر كلمة المملكة العربية السعودية، وهناك نقاش متناقض في ما يمكن هذه الكلمة بين أن تكون «فيتو» على عون أو قبولاً، ويُقال إنّ كفة أن لا يكون هناك موقف سعودي رافضاً أو مؤيّداً قد تكون هي الراجحة.
ولم يرشح من زيارة الحريري الاخيرة للرياض أيّ معلومات متينة حول هذا الموقف، بل رشح أنّ «الأجواء مكهربة» في ضوء ما يحصل في اليمن وما صدر من مواقف في مناسبة عاشوراء في لبنان وخارجه هاجمت السعودية.
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ الحريري لن يقول كلمته ايضاً إلّا بعد أن يدرك ما سيكون عليه موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويؤكد أنه حريص على علاقته ببري ولا يريد اعتماد أيّ خيار ما لم يضمن أنّ رئيس مجلس النواب سيؤيّده، وأنه لن يخطو «أيّ خطوة في المجهول» مثلما حصل له في مبادرته الى ترشيح زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية.
ولذلك، ويقول «مستقبليون» إنّ كتلة «المستقبل» تنتظر ما سيتّخذه الحريري من قرار نهائي، إذ إنه لم ينهِ مشاوراته الداخلية والخارجية بعد، في وقت أشاع بعض السياسيين أنّ عون ومعاونيه باشروا إعداد «مسودة خطاب القسم» منتظرين أن ينطق الحريري بكلمته قبل جلسة انتخابات الرئاسة المقرَّرة في 31 من الجاري.
على أنّ المواقف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء الثلثاء الماضي لاقت تفسيرات متناقضة لدى البعض، خصوصاً لدى «المستقبليين»، فإلى تأكيده انه لا يمكن بتّ مصير الاستحقاق الرئاسي قبل أن يعلن الحريري موقفه، فإنه أطلق ثلاثة مواقف مهمة إذ دعا الى تفاهمات وطنية حول مختلف القضايا، وخصوصاً حول انتخابات الرئاسة، وذلك في ضوء ما قاله رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل من أنّ ما حصل بين «المستقبل» و«التيار» هو تفاهمات لا صفقات.
وكذلك شدّد نصرالله على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وقبل ذلك شدّد على تفعيل العمل الحكومي وعمل مجلس النواب، بمعزل عن انتخاب رئيس الجمهورية الذي يمكن أن يحصل في هذه المرحلة أم لا.
على أنّ السيد نصرالله الذي لم يلفظ اسم الحريري وإنما لفظ صفته كرئيس لتيار «المستقبل» في معرض إشارته الى توجّه الحريري الى ترشيح عون، إذ وصف هذا التوجّه بأنه «تحوّل» معترف لصاحبه بـ»الشجاعة» وبـ»الحرص على أن يوجد المخرج المعقول والمطلوب لهذا المأزق السياسي القائم في لبنان».
غير أنّ كتلة «المستقبل» التي انعقدت امس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة اخذت علماً بأنّ الحريري انهى زيارته للرياض، وشدّد المجتمعون على انتظار ما سيتّخذه من خيار، وذهب بعضهم الى إعطاء كلام السيد نصرالله تفسيرات بعضها وجد فيه «ما خدم موقف تيار «المستقبل» لجهة إبعاد تهمة تعطيل انتخابات الرئاسة عنه».
وكذلك فسّر بعض المجتمعين كلام نصرالله ايضاً ما معناه أنه قال لعون في مطاويه «إننا معك، ولكن اذهب وقلّع شوكك بأيديك، نحن نؤيّدك ولكن لا نستطيع أن نفعل لك شيئاً، لديك مشكلة مع الرئيس نبيه بري اذهب اليه وعالجها».
وذهب فريق آخر من المجتمعين الى القول إنّ نصرالله «لم يأتِ على ذكر الحريري بالاسم عندما تحدث عن موضوع توجّهه الى تبنّي ترشيح عون، وقوله «فلان» لرئاسة الحكومة.
وعند الاشارة الى موضوع الموقف السعودي، لم يرشح لـ«المستقبليين» بعد أيّ معطى واضح عنه، على حدّ قول أحدهم، مضيفاً: «يمكن أن يكون هذا الموقف مؤيّداً لتوجّه الحريري ويمكن أن يكون «فيتو»، ربما لا تكون هناك إمكانية لتنفيذه، تبعاً للانشغال السعودي بأزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة اليمنية».
وقيل إنّ بعض العونيين اعطى لكلام السيد نصرالله حول ترشيح عون «تفسيرات مشابهة» لتفسيرات «المستقبليين»، وذلك بالاستناد الى أنّ الحريري اكد لعون خلال لقائهما الاخير أنه ينوي جدّياً تبنّي ترشيحه، وانه سيعلن هذا الموقف بعد أن ينهي مشاوراته.
ويبدو أنّ عون ومعاونيه بدأوا يبنون على الشيء مقتضاه استعداداً لجلسة الانتخابات المقرَّرة في 31 الجاري، في حين تشير كلّ المعطيات حتى الآن الى أنها قد تكون كسابقاتها تأجيلاً. إذ لا شيء في الأفق السياسي الداخلي والإقليمي حتى الآن يوحي بإمكان حصول توافق على الاستحقاق الرئاسي خلال الفترة الزمنية الفاصلة عن تلك الجلسة التي يصادف موعدها قبل ثمانية أيام من موعد انتخابات الرئاسة الأميركية.