ما إن يزول كابوس “كورونا” عن لبنان والعالم حتى تبدأ ملامح التغيّرات تظهر، وينتظر أهل الثورة الفرصة من جديد لاستكمال مشوار ما بعد 17 تشرين.
لحظة اندلاع هذه الثورة كانت معظم الأحزاب والقوى السياسية في دائرة الإستهداف، وأطلقت السهام على رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري بعد محاولة فرض الضرائب قبل أن يستقيل تلبيةً لمطالب الشارع.
بات الحريري خارج المنظومة الحاكمة وسرعان ما لحق به رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي حاول التهدئة والتبريد مع حكومة الرئيس حسان دياب قبل أن ينفجر غضباً في الأيام الماضية، ويصف دياب بأنه موظف عند ضابط إستخباراتي وعند رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل.
يتلاقى الحريري الذي طفح كيله من ممارسات الحكومة الحالية خلال التعيينات المالية مع جنبلاط الذي يكتشف أنه خارج اللعبة وبأن دوره يتقلّص في حين يتصاعد دور خصومه، وبالتالي فإن الحريري وجنبلاط باتا في الخندق نفسه.
كل تلك العوامل تجعل الرجلين يتحيّنان الفرصة للإنقضاض على حكومة أعطياها الفرصة وتساهلا معها كثيراً، إلى حدّ إشادة الحريري بها منذ ما يقارب العشرة أيام بعد إعادتها لقسم من المغتربين، لكن النتيجة كانت باستمرار سياسة العزل وتغيير طبيعة الحكم اللبناني نحو الأسوأ وليس الأحسن.
لكن السؤال الأساسي الذي يطرح، هل سيشكّل الحريري وجنبلاط حلفاً شبيهاً بحلف العام 2000 الذي نُسج بين جنبلاط والرئيس الشهيد رفيق الحريري واستطاعا خلاله العودة إلى الحلبة السياسية من بابها العريض؟
في تلك المرحلة كان النفوذ السوري يشتدّ في لبنان، خصوصاً بعد وصول الرئيس إميل لحود إلى السلطة العام 1998 واستعماله القبضة الأمنية عبر رموز تلك المرحلة، حينها خاض كل من جنبلاط والحريري الأب الإنتخابات النيابية وفق قانون غازي كنعان، واجتاحا دوائر بيروت وجبل لبنان الجنوبي وعاد الحريري رئيساً للحكومة وجنبلاط شريكاً أساسياً، أما اليوم فاللعبة مختلفة كلياً.
ودخل معطى جديد على الحياة السياسية وهو الحراك الشعبي الذي استهدف في جزء منه السياسات الحريرية المتعاقبة، ولم يسلم جنبلاط من الإنتقادات، لكن ممارسات “حزب الله” والعهد وأخذ لبنان إلى مكان يضرب نظامه وصيغته ويجعله يقترب من النموذج الإيراني، قد أعادت بعضاً من الروح إلى كل من يقف في وجه هذا المشروع. وتؤكّد مصادر “اللقاء الديموقراطي” أن لا سقف للمواجهة مع السلطة الحاكمة، فالعهد قد سقط وهو أسوأ عهد ممكن أن يمرّ على لبنان، لم ينجح في الإصلاح وصفقات الكهرباء أكبر دليل، ومحاولة تهريب صفقة سد بسري محاولة مكشوفة للسرقة العلنية، كل تلك الأمور تجعل من مواجهة الإرتكابات أمراً ضرورياً لا مفرّ منه.
وعلى خطّ آخر، فإن “الإشتراكي” مصمم على خوض المواجهة حتى النهاية للحفاظ على ما تبقى من صورة لبنان وليس جعله مقاطعة إيرانية يتحكم فيها “حزب الله” وباسيل، وبالتالي فإن أولوية مواجهة “الكورونا” لا تحجب الضوء عن بقية الملفات. لا يستبعد “الإشتراكي” النزول إلى الشارع مجدداً لأن كل الإحتمالات مفتوحة، لكن هذا يحصل بعد نهاية أزمة “الكورونا” ووفق دراسة للمعطيات الموجودة، ووفق ما تتطلبه مقتضيات المرحلة.
من جهته، يؤكد “المستقبل” التحالف مع جنبلاط في الملفات الأساسية، وإن كان هناك بعض الإختلاف على التفاصيل، وهو وإن يرى أن المواجهة حتمية مع حكومة دياب خصوصاً أنها حكومة لم تنتج بل تحاول تغيير وجه لبنان، إلا أنه لم يحدد بعد ساعة الصفر لإنطلاق المواجهة.
وإذا كانت مواجهة “المستقبل” و”الإشتراكي” لحكومة دياب تبقى في إطار الكلام، إلا أنّ تحوّل هذه المواجهة إلى حقيقة على الأرض غير مستبعد خصوصاً انها حكومة اللون الواحد كما يصفونها، وبالتالي فإن كل أدوات المواجهة متاحة بانتظار الوقت المناسب.