لم يجد الرئيس المكلف سعد الحريري من يصفّق له على توزيعة الحقائب السيادية، إلا الثنائي الشيعي الذي احتفظ بحقيبة المال بعدما تجرّع رئيس الحكومة الكأس المرّة، التي سيتجرّعها في كل مرة سيتسنى له فيها تأليف حكومة. أما البقية، فجمعهم الاعتراض:
العهد ومعه “التيار الوطني الحر” يرفضان التفريط بحقيبة الداخلية بعدما ارتكب الحريري خطأ تجييرها لرئيس الجمهورية مع انطلاق مفاوضات التأليف.
وعليه، لن يسمح رئيس الجمهورية بتكريس عرف يتيح لرئيس الحكومة تسمية الوزراء المسيحيين، فكيف بالحري وزارة أمنية سيادية تعتبر الأهم بين نظيراتها؟ فيما الأطراف السنية تطالب بإبقاء هذه الحقيبة تحت جناحي الطائفة وتمانع اجراء أي مداورة قد تطيّر “أمّ الوزارات” اذا لم يكن “الثمن” وزارة المال. فيما الحزب “التقدمي الاشتراكي” بدا ممتعضاً من منحه حقيبة الخارجية ولو أنّه سبق له أن طالب بحقيبة سيادية.
في الواقع، تحوّلت وزارة الخارجية في الأيام الأخيرة إلى أشبه بفيروس ترفض القوى السياسية الاقتراب منه وهي تخشى تلقف كرة نار المنبر الديبلوماسي للبنان الرسمي، في ضوء الأحداث والتطورات الاقليمية والتوتر الحاصل مع دول الخليج، ما يجعل من أي محطة اقليمية أو دولية، “مشروع مشكل” داخلي أو خارجي.
ولهذا، سقطت المسودة التي رفعها رئيس الحكومة المكلف الى رئيس الجمهورية، كالماء البارد على ذهن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ولو أنّه كان شبه مطلع على مضامين المسودة، لكن الاطلاع شيء وتأكيده شيء آخر، حين لمس أنّ حصته من هذه التركيبة ستكون الخارجية والزراعة. فوزارة الخارجية ستزيد من الطين بلّة، فيما حقيبة الزراعة غير مشمولة برعاية مشاريع “سيدر” ما يعني أنّه في ما لو فُتح باب الفرج وتسللت دولارات مشاريع “سيدر”، فهي لن تجد طريقها الى وزارة الزراعة، وبالتالي ستقتصر خدماتها على ما هو موجود أصلاً. على هذا الأساس، لم يتردد جنبلاط في “لطش” رئيس الحكومة المكلف في حديثه الى جريدة “الأنباء” الالكترونية حين تناوله في مسألتين: حمّل الحريري كما رئيس الجمهورية و”حزب الله” مسؤولية عرقلة قيام الحكومة، بشكل لم يبرئ “حليفه العتيق” من تهمة المماطلة والتأخير، لا بل ذهب الى حدّ اتهام الحريري بارتكاب أخطاء في فرض أسماء معيّنة على ميشال عون، كما “عاتبه” على “خطأ التضامن مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب من موقع “إثارة العصبية المذهبية”، أقلّه هكذا يعتقد بعض “المستقبليين” الذين يعتبرون أنّ في التصويب الجنبلاطي عادة ما تكون له وظيفته ومهمته، ولا يكون مجانياً أو عن “مبدئية” في التعاطي.
وفق هؤلاء، يتصرف جنبلاط على قاعدة رمي كرة مسؤولية التعطيل لكي لا يلقى عليه القبض بالجرم المشهود، ولو أن المعنيين يعرفون جيداً أنه غير راض عن المسودة الحكومية لكنه يرفض أن يكون في واجهة العرقلة، لذا قذف بالكرة الى ملعب الآخرين. ولكن سرعان ما ردّ نائب رئيس تيار “المستقبل” الدكتور مصطفى علوش قائلاً: “لا أدري أين تذهب مروحة جنبلاط اذ يتحدث حيناً يميناً، ثم يعود ليتحدث شمالاً فليقل لنا ما قصده بذلك وليخفف غلبته شوي”. فجاء الردّ سريعاً من النائب بلال عبدالله الذي قال: “للمرة الثانية خلال شهر، ينبري نائب رئيس تيار المستقبل، مهاجماً ساخراً ومحاولاً استيعاب إشارات وملاحظات وليد جنبلاط، فيخفق في الرد، ولو حاول ارتداء قناع الصقور في تياره حصداً للشعبوية. لن نساجلك في هذه الظروف، لأن فشلك واضح في تقمص دور منظر التيار!”.
ولكن وفق بعض الاشتراكيين، فإنّ حساسية “المستقبليين” باتت زائدة ولا تحتمل أي تعليق أو موقف من جانب أي طرف. بالنتيجة، كل ما تقوم به القوى الراعية لحكومة سعد الحريري في هذه الأيام، هو ملء الفراغ ببعض السجالات التي لا تقدم أو تؤخر في محاولة لرفع سقوفها وتحسين مواقعها التفاوضية لا أكثر.