يعرف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كيف ينظّم إحداثيات سهامه نحو هدفه في لحظة التصويب المباشر، كذلك يعرف كيف يدوّر زوايا تكويعاته حين يلزم الأمر. لا حراجة طالما أنّ بيئته الحاضنة على استعداد لتلقّف وهضم، لا بل تبنّي، أي موقف يطلقه «الزعيم» مهما كان انقلابي الطابع.
هكذا استبق جنبلاط موعد الجلسة المسائية مع رئيس الحكومة سعد الحريري مستعيناً بخرطوم المياه لإخماد حرائق «الثورة» التي أشعلها منذ أسابيع، وغسل يديه من تسريبات تنال من الحريري تمّ تداولها عبر تطبيق «الواتساب». كان لا بد من تهدئة الجو قليلاً وترطيبه قبل الجلوس وجهاً لوجه إلى مائدة العشاء.
بين حليفَي السنوات الـ14 «عِشرَة عمر سياسي». طلعاته أكثر من نزلاته، ولكن الأشهر الأخيرة «حبلت» بالتباينات والخلافات. لعله تأثير «المنعطف المناخي» الذي يلفّ الاقليم، والذي دفع حليفي 14 آذار إلى البحث، كلّ في سبيله، عن مصالحه المباشرة، بعدما انقطع جسر المصلحة الاستراتيجية الجامعة.
بعد انقلاب موازين القوى الاقليمية وسقوط مشروع 14 آذار، وجد الحريري «ضالّته» في أحضان الرئاسة «العونية»، التي يتولى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وضع خططها التنفيذية. فكان لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقبله باسيل، أفضلية المرور.
أمّا رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» فلا يزال قلقاً، يبحث عن ضمانات تقيه شرّ المتغيّرات، ولعل أهمها متغيّرات الزعامة الجنبلاطية، ومصير تركته السياسية.
لا يزال النائب تيمور جنبلاط يقرب السياسة بخفر، لا بل قسرياً. وكأنه فرض واجب يفضّل عدم التعامل معه. يُقلِق جنبلاط الأب، تنامي خصومه في الجبل، من الدروز والمسيحيين على حدّ سواء. حتى اللحظة، يقارب الحالة العونية في الجبل وكأنها تجدّد للحالة الشمعونية، بنحو مُستفز، ولذا لم يهضم تسمية غسان عطاالله، المشاغب، وزيراً للمهجرين.
على رغم من ذلك، هناك من يقال إنّ جنبلاط يبالغ في مخاوفه وردات فعله. ولذا، من السهل معالجة خلافاته مع الحريري على رغم من اتساع هوّتها وقُطرها، خصوصاً أنّ مسبّبات هذا القلق لا تكمن في «بيت الوسط».
ولهذا أيضاً هناك من يعتقد أنّ لرئيس تيار «المستقبل» مصلحة ملحّة في إعادة النظر في علاقته مع الزعيم الدرزي، من خلال تنقيتها من شوائب المرحلة الماضية. إذ انّ ترؤسه حكومة، فيها ثلث معطّل واضح أو مُلتبس، لفريق سياسي واحد يتعامل مع الحكومة على أنها الأولى والأخيرة، بمعنى «الجشع» المفتوح على استثمار كل لحظة من عمر الحكومة… لن يكون مريحاً.
ولذا، ثمّة حاجة ماسّة لتجميع أوراق قوة يُراد منها أن تساعده على خوض «غمار» هذا التحدي الصعب. كذلك جنبلاط في حاجة إلى التقليل من خصوماته، والإكثار من صداقاته، خصوصاً أنه بات يشعر أنه صار معزولاً في تحالف ضيّق مع حليفه القديم رئيس مجلس النواب نبيه بري، و«تفاهم على القطعة» مع «القوات اللبنانية».
هكذا فَرَدَ الرجلان أوراقهما على مائدة العشاء. إستعرضا كل الملفات العالقة بينهما، السياسية والاقتصادية والحياتية. جولة أفق، تبدأ بالقضايا الكبيرة ولا تنتهي في بعض التفاصيل البسيطة. فلم تغب مثلاً مشاريع الكهرباء والخطط الاقتصادية وغيرها من المشاريع التي يتقصّد جنبلاط إثارتها عبر الاعلام، عن جلسة النقاش المستديرة.
تتحدث مصادر رئيس الحكومة عن «أجواء ايجابية، لا بل ودية، سادت اللقاء، حيث تمّ استعراض كل النقاط العالقة، خصوصاً تلك التي تضع الحريري في «قفص الاتهام»، ثم تمّ توضيح هذه «الالتباسات».
وتذهب المصادر إلى حدّ القول إنّ ما حصل خلال الفترة الماضية «كان مجرد غيمة صيف عابرة، وقد تمّ تجاوزها»، مشيرة إلى أنّ العلاقة «استعادت إيجابيتها»، لا بل أكثر من ذلك، تقول إنّ العلاقة «عادت إلى طبيعتها التحالفية».
في المقابل يشير أحد المعنيين إلى أنّ الجلسة كانت عبارة عن استعراض موسّع للخلافات العالقة بين الحريري وجنبلاط، لافتاً إلى أنّ العلاقة تمرّ راهناً في مرحلة التطبيع، لأنها تبقى رهن أداء رئيس الحكومة المستقبلي.