IMLebanon

الحريري يرفع الفيتو عن عون… ولكن

 

يتوسّم كثيرون من الاتفاق النووي الوشيك بين إيران والدول الغربية أن يُنتج معطياتٍ تساعد لبنان على تجاوز الشغور في رئاسته، كون الاتفاق يعوّل عليه أن يفتح الآفاق لمعالجة النزاعات والحروب التي تعصف بالمنطقة. لكنّ المواقف الداخلية المراوِحة بين هدوءٍ هنا وتصعيدٍ هناك تشير الى أنّ الأفرقاء الداخليين بدأوا يُعِدون العدة لملاقاة المرحلة الجديدة التي سيفرضها «إتفاق فيينا».

لا يخفي مرجعٌ كبير توقعَه أن تبدأ معالمُ الاتفاقات غير المكتوبة في فيينا خلال أسابيع، وأن يحظى لبنان في لحظةٍ سياسية ما ليست بعيدة بدعمٍ ديبلوماسي وسياسي إقليمي ودَولي يساعده على الانطلاق الى معالجة أزمته بدءاً بانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

ولكن مَن يراقب المواقفَ السياسية المتناقضة بين بعض الأطراف الداخلية يشعر في لحظة ما أنّ الازمة ما تزال معقَدة، ولكن عند التحَرّي عن خلفيات هذه المواقف، يتبيّن أنّ كلّ فريق من الافرقاء ربما يكون بدأ العمل لتعزيز حصته في الحلّ المنشود.

ويرى بعض السياسيين أنّ بعض المواقف الداخلية يحمل في مطاويه مؤشراتٍ إيجابية الى ما سيكون عليه مستقبلُ الوضع الداخلي من الآن وحتى نهاية السنة الجارية.

ويقول هؤلاءُ السياسيون إنّ الرئيس سعد الحريري في خطابه أمس الأول خلال الإفطار الرمضاني السنوي التقليدي لتيار «المستقبل» كالَ «ما لذّ له وطاب» من انتقاداتٍ علَنية ومبطّنة لـ»حزب الله»، الى حدٍّ أنه أثار لدى أوساط كثيرة مخاوفَ على الحوار الجاري بين تيار «المستقبل» و»حزب الله»، ودفع البعض الى التساؤل عن جدوى إستمرار هذا الحوار، وعَلامَ يتحاور المتحاورون طالما أنّ موقفَ كلٍّ من الطرفين المتحاوِرَين إزاءَ الآخر يتسم بهذه الحدة والسلبية. وكذلك تساءلت هذه الأوساط عمّا أنتجه هذا الحوار الذي بلغ عدد جلساته في عين التينة حتى الآن 15 جلسة.

ويأتي الجواب من المتسائلين أنفسهم أنّ هذا الحوار يكاد يكون بمثابة «لجنة أمنية» أو حلقة «ربط نزاع» بين الطرفين المتحاوِرَين بما يمثلان في انتظار ما سيحمله قابل الأيام والاسابيع والاشهر من تطورات على مختلف الجبهات الاقليمية في ضوء توقيع الاتفاق النووي النهائي بين إيران والدول الغربية والذي يعوّل كثيرون عليه لتحريك آليات عمل لمعالجة مختلف الازمات الاقليمية.

ولذلك يغدو الحوارُ مطلوباً استمراره، سواءٌ أنتج الآن سياسياً او لم ينتج، لأنّ طرفيه اساسيان في أيّ حوار أو تفاوض مستقبلي لإيجاد حلّ للازمة اللبنانية، ومجرد تلاقيهما على طاولة واحدة يرسي مناخات إيجابية مطلوبة لدعم الاستقرار الذي تفرضه الإرادة الإقليمية والدَولية حتى إشعار آخر، أو كلبنة أولى يُبنى عليها عند البدء عملياً بحلّ الأزمة وأساس هذا الحلّ سيكون انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ولا يخفي بعض السياسيين أنّ الحريري حاول في جانب من خطابه امتصاصَ وهج تحرّك «التيار الوطني الحر» في الشارع الأسبوع الماضي على مقربة من السراي الحكومي، والموجَه أساساً ضدّ تيار «المستقبل»، وذلك من خلال تأكيده أن ليس لديه «فيتو» على أيٍّ من المرشحين لرئاسة الجمهورية ولكن «تحت سقف التوافق الوطني» على حدِّ قوله، وقد انطوى هذا الموقف على إيحاء من الحريري لعون بأن ليس لديه أيّ فيتو على ترشيحه، أو أنّ « الفيتو» الذي قيل في فترة سابقة إنه موجود، لم يعد موجوداً.

علماً أنّ البعض فسّر كلامَ الحريري في هذا الصدد بأنّ الرجل يفضّل أن يكون الرئيس العتيد توافقياً إقتناعاً منه بأنّ رئيساً بهذه الصفة هو «الوصفة الوحيدة» لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي المتمادية منذ 24 آذار 2014 وحتى اليوم.

على أنّ الحريري لم يخفِ رغبته بالانفتاح على بقية الأفرقاء السياسيين للبحث معهم في انتخاب رئيس توافقي يشكل قاسماً مشترَكاً بين الجميع ويستطيع الوقوف على مسافة متساوية منهم، بل يستطيع أن يلعب دورَ الحَكَم ويرعى المؤسسات رعاية الأب الصالح.

ويعتقد سياسيون آخرون أنّ الحريري أراد في جانبٍ من خطابه استنهاضَ شارعه وشدّ عصبه في مواجهة «الهجمة العونية» الراهنة، وإزاءَ الاستحقاقات الماثلة، فهو لا يخفي رغبته بالعودة الى رئاسة الحكومة في عهد الرئيس العتيد، ولذلك أعطى لخطابه الحيوية المطلوبة لتحقيق هذا الهدف مستنداً بنحوٍ أو آخر الى الحيوية التي تميَّز بها خطابُ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله يومَ الجمعة الماضي في مناسبة «يوم القدس العالمي».

ويرى هؤلاء السياسيون أيضاً أنّ تركيز الحريري هجومَه على الحزب وإيران، ينمّ عن أنّ سقف الرؤية الاقليمي لديه «ضبابي وغير واضح» في الشكل المطلوب، ولكنه لم يصل الى حدِّ القول بالتوقف عن الحوار الجاري بينه وبين «الحزب».

وهو أمرٌ يبادله إيّاه المسؤولون في «الحزب» حيث إنهم ينتقدون «المستقبل» ويهاجمونه سياسياً ولكنهم يؤكدون في الوقت نفسه الحرص على الاستمرار في الحوار معه، ما يؤكّد أنّ هذا الحوار سيشكل المعبرَ الإجباري الى مرحلة إنتاج الحلّ اللازم لأزمة لبنان.