IMLebanon

الحريري رجل المهمات الصعبة

كان يتوجب على الرئيس سعد الحريري منذ أيام مصارحة اللبنانيين حيال المخاطر التي تتهدد وطنهم، خصوصاً وأن الرأي العام اللبناني المسيّس إلى حد كبير قد أصبح منذ 11 سنة خلت أي من اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري يدرك أكثر من أي وقت مضى أن ثمة مخطط مدروس متقن الاعداد والتنفيذ للهيمنة على بلادهم. فكل الأحداث والتطورات والوقائع تدل بصورة قاطعة على ذلك. ولسنا بحاجة هنا لتذكير اللبنانيين بهذه الوقائع فقد أدركتها غالبيتهم في الممارسة العملية وعيشهم اليومي. فالكثير منها كان قد اجتبل بالدماء والأشلاء والشظايا وكثير منها أيضاً كان دائماً يصب في هدف واحد: السيطرة على لبنان. فما من مسألة أو قضية أو مشكلة بحاجة إلى حل إلا وتتحول إلى أزمة، وما من استحقاق وطني أو دستوري أو خلاف سياسي إلا ويأخذ أبعاداً مضاعفة تصل إلى حدود الخطر الجدي بل الداهم بل الكارثي.

فماذا عساه الرئيس سعد الحريري يقول للبنانيين ويواجههم بالحقيقة المرة القاطعة كحد السيف أن مصير الوطن الصغير مهدد الآن بأفدح الأخطار، ليلام بعدها بأنه يدفع بهم إلى اليأس والإحباط؟ إلا أنه في المقابل عليه في نهاية الأمر أن يتحلى بالشجاعة والصدق والشفافية فالشأن العام مسألة حساسة في غاية الدقة والرأي العام وإن جرى التطاول عليه ومصادرته بشتى الوسائل يحاسب المسؤول ولو لاذ بالصمت أو بما لست أدري من وسائل التعبير المخفوضة الجناحين والصوت المكبوت تحت الضغوط وأساليب عديدة من التهديد والوعيد.

فلنصارح أنفسنا مع الرئيس الحريري وكل من يجرؤ معه على تسمية المسائل بمسمياتها ونقصد بالتحديد تلك الإجابة التي لم يعد بالإمكان العزوف عنها أو التأجيل بالبوح بها حول الاستحقاق الدستوري الملزم الضروري الا وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية: هل حزب الله وهو الطرف المهيمن الطاغي على قوى 8 آذار قاطبة، جدي حقاً في التعاطي مع اللعبة الديموقراطية القاضية بتداول السلطات وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للبلاد؟ وهل الجنرال ميشال عون هو فعلاً مرشحه كما يزعم، أم أن مرشحه الفعلي هو الفراغ والتعطيل والشغور؟

ذلك أن أي عودة بنا بالذاكرة للوقائع ومجريات الاحداث وكل ما أحاط ورافع الحياة السياسية وبالتحديد معركة رئاسة الجمهورية وما سبقها وما تلاها منذ اليوم الأول للخروج المتواضع للرئيس ميشال سليمان عائداً الى منزله تشي بأن حزب الله يتعاطى مع هذا الاستحقاق بخلفية مغايرة تماماً لمتطلباته وللأصول والقواعد الضرورية لكي يفي هذا الامر مقتضاه.

ان المكان الطبيعي والمعروف والتبع دستورياً لانتخاب رئيس جديد للبلاد هو مجلس النواب عندما يتحول الى هيئة ناخبة يتوجب عليها تسديد هذا الشأن متطلباته وليس مكاناً آخراً اي بالفم الملآن: لا يظنن احد ويعتقدن خطأً ان المكان الطبيعي لممارسة هذا الاستحقاق هو الغرف الخلفية والاجتماعات الجانبية والخلوات السرية ودهاليز السفارات ومنطق الصفقات والمحاصصات.

سنتان قد مضتا هباء والبرلمان عاجز عن تأمين النصاب الدستوري القانوني للجلسة الأولى (أكثرية ثلثي عدد النواب) لأن هناك من يعمل على تهريب النصاب او تعطيله لا فرق. هكذا كانت تبدو المسائل المتعلقة ظاهرياً بالاستحقاق الرئاسي وبسلوكيات حزب الله حياله، اول الامر على الأقل. وعبثا حاولت بكركي التدخل وتصحيح المسار، لكن دون جدوى.

فلنصارح انفسنا بجرأة اكثر: ان الجنرال ميشال عون يعلم علم اليقين وذلك ضمن حساباته الدقيقة وطبقاً للأمر الواقع الملموس ان حظوظ انتخابه رئيساً في البرلمان ليست متوفرة قط، وأنه منذ اليوم الاول لعودته من الخارج لم يعد توافقياً ولسنا في مجال استعراض مواقفه فهو الذي اختار طوعاً الانحياز الى المعسكر العادي للأكثرية النيابية وهو الذي قدم الغطاء المسيحي لمشروع حزب الله على المستوى اللبناني بل الاقليمي ايضاً.. فأصبح بالتالي المرشح المستحيل.

الوقت المستقطع والدعوات بلا جدوى لانعقاد المجلس راحت تظهر العديد من الدلائل والمؤشرات التي تقطع بأن مصالح حزب الله عندنا لا تجد ضآلتها ولا تمر بتاتاً عبر اجراء هذا الاستحقاق الدستوري وأنه يؤثر بالا يجري هذا الاستحقاق قط. فهو متورط في الحرب السورية الى آخر الحدود وهو جزء لا يتجزأ من المنظومة الايرانية المندفعة بقوة نحو البحرين المتوسط والأحمر. وهو الذي يتلقى دعماً لوجستياً متواصلاً من ايران مباشرة عبد بغداد ودمشق. فما دام هذا الخط اللوجستي مؤمناً فان الاستحقاق الرئاسي اللبناني يصبح والحالة هذه شأناً ثانوياً لأن الشأن الاقليمي هو الهاجس الاكبر للحزب والطاغي على عقل وتفكير قياداته.

في الشأن اللبناني وبعيداً عن الازمات المستفحلة التي تضرب المنطقة العربية ابتداء بالعراق ومروراً بالحرب السورية وتأزم العلاقات الايرانية السعودية وتورط طهران في متاعب داخلية في البحرين والكويت ومنطقة الخليج برمتها وانتهاء بحرب اليمن، وما له علاقة بداعش والإرهاب والتدخل العسكري الروسي إلخ… إن مبادرة الرئيس الحريري في بداية السنة الحالية بترشيح النائب سليمان فرنجية، قد أحدثت الصدمة الضرورية في الجسم اللبناني والحياة السياسية. فالأزمات المعيشية والحركات المطلبية المتواصلة وهي كثيرة ومحقة، كادت تغيب عن أنظارنا تلك الحال من المراوحة في الشغور والفراغ والشلل الذي يضرب المؤسسات ويعطل مصالح الناس.

إلا أن قوى التعطيل وتكريس الشلل راحت تستهدف مبادرة الرئيس الحريري بدورها فيصيبها ما أصاب سائر المبادرات والنوايا الطيبة. وليس خافياً على أحد أن 11 سنة من الهجوم الأسدي المعاكس الذي يعاني الانحسار ليخلي الساحة أمام تطلعات طهران، وتجلياتها عندنا كثيرة، كان يستهدف في جملة مراميه قوى 14 آذار نفسها ويسعى جاهداً إلى تفكيكها وبعثرتها وزرع الفرقة والخلافات في صفوفها.

ضمن هنا فإن العودة الطيبة للرئيس الحريري رغماً عن المخاطر الشخصية في زمن الاغتيالات والاستهدافات الدموية المتقنة أمامها الكثير من المهمات الصعبة بل العصية وعلى رأسها إعادة الحياة والنشاط والحيوية للاستحقاق الرئاسي، وخوض معركة شرسة بوجه ذلك المرشح البغيض ألا وهو الفراغ. فلا بد والحالة هذه من إعادة اللحمة إلى قوى 14 آذار ورص صفوفها وتشذيب ما تفرق ومعالجة الخلافات الجانبية والتباين في وجهات النظر. فمن «البيال» إلى القصر الحكومي إلى بيت الكتائب إلى معراب إلى خلوة ضرورية مع وليد جنبلاط، إلى الرئيس بري… يجب إعادة العافية الضرورية للحياة السياسية واللعبة الديموقراطية، فخير ضامن لها هي قوى 14 آذار.

شعار مرحلي واحد يجمعنا الآن: يجب إجراء الاستحقاق الرئاسي وفي سبيل ذلك سوف نتصدى لقوى الفراغ والتعطيل ما أوتينا حرصاً منا على لبنان.