يروي النائب عاطف مجدلاني عضو وفد “تيار المستقبل “الى مؤتمر مسيحيي المشرق في واشنطن الاسبوع الماضي ان قول السيناتور الاميركي تيد كروز للمؤتمرين “ان المسيحيين لن يجدوا حليفا أفضل من اسرائيل” استدعى ردا فوريا من بطريرك الكاثوليك لحام تمثل بالانسحاب من حفل العشاء الذي أقامه المؤتمر ثم انسحب بعده وفد “المستقبل”. هذا الرد يقول إن معالجة محنة المسيحيين في الشرق لا تعني الإستجارة من خطر “داعش” بخطر أدهى تمثله أسرائيل. ولا حاجة الى البرهان على ذلك بأن القدس مهد كنيسة القيامة لم يعد فيها مسيحيون ليقرعوا أجراسها بعدما اقتلعتهم إسرائيل.
لا مبالغة في القول إن الرئيس سعد الحريري الذي كان وراء مشاركة وفد “المستقبل” في المؤتمر أطل بالأمس بموقف تاريخي يمثل الرؤية الشاملة الى الوجود المسيحي في الشرق عندما حسم أمر المشاركة في الانتخابات النيابية بالتأكيد أن لا أولوية تتقدم أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وبكلمة أخرى، قال الحريري لمن يهمه الامر: إذا استمر الاستهتار بموقع رئاسة الجمهورية وهو الموقع المسيحي الوحيد في هذا الشرق فلا يستغربنّ أحد أن يأتي يوم ليس ببعيد لا تجد فيه مسيحيين ليقرعوا أجراس كنائس لبنان.
كل المشاريع التي تتصارع في الشرق تطرح للأقليات مرجعيات دينية. وإذا كان السيناتور كروز يطرح إسرائيل مرجعية للمسيحيين فإن “داعش” تفعل مثله عندما تطرح إشهار المسيحيين وسائر الاقليات “إسلام” هذا التنظيم. ومن بقايا المشاريع التي قاربت الاندثار الديكتاتورية التي حكمت سوريا منذ عقود تحت رايات مموهة لكنها في أعماقها وحش فالت بلا قيود. وإذا كان العالم لا يزال مصدوما حتى الآن بجرائم الذبح التي ارتكبتها “داعش” وبين ضحاياها جنديان لبنانيان، فإن تنظيم “فتح الاسلام” ذبح عام 2007 سبعة عشر عسكريا. وزعيم التنظيم شاكر العبسي كان قد خرج من السجون السورية بعفو خاص وقّعه بشار الأسد وجاء مباشرة الى شمال لبنان بمشروع “إمارة” في مخيم نهر البارد اعتبرها الأمين العام لـ”حزب الله” يومذاك “خطاً أحمر”.
لا يحتاج سعد الحريري الى شهادة “حسن سلوك” على اعتداله عندما يصبح في مقدمة الصفوف في الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية، مثله مثل والده الذي كان وراء الزيارة التاريخية للبابا يوحنا بولس الثاني للبنان في التسعينات. لكن رفيق الحريري الذي اغتيل في 14 شباط 2005 كان يدفع ضريبة “الاعتدال” الذي كان المستهدف في تلك الجريمة.
راية الاعتدال ما زالت مرتفعة في لبنان. وازدادت ارتفاعا مع تبوّؤ الشيخ عبد اللطيف دريان منصب الإفتاء الذي جاء مدداً لتراث الحريري.